في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) يقول الشاعر والباحث الأوروجوائي اجناثيو سواريث، وقد نشر مؤخرا كتاب بعنوان /كنت ماتوس رودريجث/ "ذات ليلة كانت وطأتها ثقيلة، لم يغمض له جفن من شدة الحمى، بدأ ماتوس رودريجث يستلهم من شدة بؤس حياته ومرضه العضال، خيال مقطوعته الموسيقية، من أعماق روحه كفنان مرهف الحس وشاب مثقف ينتمي لتيار البوهيمية التحرري". هذا الهذيان الأصيل ألهم العديد من الفنانين الأوروجوائيين والأرجنتينيين، مما دفعهم للتعاون مؤخرا لتقديم استعراض ضخم بعنوان "هذيان"، تمتزج فيه شتى ألوان الاستعراض والموسيقى، وقد شغلت مشاهد الاستعراضات فضاء استاد العاصمة الذي شهد العديد من الفعاليات الاحتفالية بمناسبة مئوية مقطوعة رودريجث.
ربما يعرف الجميع أن مقطوعة "لا كومبارسيتا" انتشرت في جميع أنحاء العالم، وأعيد توزيعها وتقديمها في أكثر من صورة، ولكن لا يعرف أحد أي شيء تقريبا عن بعض التفاصيل الغامضة والشبحية التي تدور حول منزل مؤلف المقطوعة الموسيقية، ينسبها الخيال الفلكلوري الشعبي إلى أمور خارقة للعادة.
بعد نصف قرن على رحيل ماتوس رودريجث، اقتنى منزله الكائن بحي لا أجودا، على مسافة خمس دقائق من وسط البلد بالعاصمة مونتيفديو، الزوجان دومينجيث-جاريستو عام 1988، بغرض تحويله إلى مكان لتقديم موسيقى التانجو، نظرا لأن مساحته لم تكن تسمح بتحويله إلى صالة تضم خشبة مسرح تتسع لتقديم استعراضات راقصة. أورد اجناثيو سواريث في كتابه ما حكته بلانكا دومينجث، أرملة لاعب كرة القدم والمدرب السابق لويس جاريستو، المتوفي مؤخرا أنهما عانيا من العديد من المشاكل طوال مدة إقامتهما في المنزل، منها على سبيل المثال الضوضاء الغامضة المستمرة التي لم يعرفا مصدرها مطلقا".
يحكي سواريث "كنت الأرملة تقول: ما إن تترك شيئا فوق البيانو، إلا وتجده طار ... لم يكن أحدا قد أخذها، كانت ببساطة تطير! كما لو أن حدهم قد طوح بها!". ذات مرة وأثناء حوار مع ممثل وممثلة، ظهر فجأة ضوء، كما لو كان نور شمعة، يطفو في الفراغ، ويمر من بيننا، وفجأة وقع دوي شبيه بانفجار جهاز التكييف، فقالت الممثلة: لم أر شيئا مثل هذا في حياتي، فأجابتها بلانكا دومينجث: ولا أنا".
ويتابع سواريث "ذات مرة كانت تعد المنزل لإقامة حفل، وكان من عادة البارمان تلميع كل شيء وصقله بدرجة مذهلة، وبينما كان يلمع أحد الكؤوس وتركها على أحد الأرفف خلفه، تحرك الكأس من تلقاء نفسه ليسقط محطما على الأرض من دون أن يمسه أحد. "لم يمسه أحد! وأصيب البارمان بفزع رهيب، لدرجة أنه هرول إلى الشارع ولم يكن يريد العودة مرة أخرى".
لدى مالكة منزل ماتوس رودريجث العديد من النوادر التي لا تنتهي من هذا النوع، أضفت المزيد من الغموض والتميز على المنزل القديم، فقررت السلطات إعلانه جزءا من التراث القومي للبلاد منذ عام 2002. بالرغم من ذلك، وبدافع الحفاظ على المنزل، تقرر إغلاقه في نفس العام، ولا يزال مغلقا منذ ذلك الحين، مما أدى إلى تدهور حالته أكثر.
حتى ذلك العام، كان جميع الزوار، وغالبيتهم من الأجانب، يرغبون في التعرف على منزل ماتوس رودريجث، ولكن الآن لم يعد أحد يتردد على المنزل، بسبب إغلاقه أمام الجمهور، ولا يكاد يميزه أحد، لولا اللافتة التي تحمل اسم "منزل بيتشو"، اللقب الذي عرف به ماتوس رودريجث، وبوستر دعائي لمقطوعة لا كومبارسيتا، معلق على إحدى شرفات الدور العلوي.
اعترف لويس جاريستو ذات مرة أنه لم يعتقد مطلقا في فكرة الساحرات أو الأشباح، ألا أنه لم ينكر وقوع أحداث غريبة داخل المنزل. "كان الأثاث يحدث ضوضاء ناجم عن تحريكه من مكانه، كما كان يسمع صدى خطوات تصعد السلم، وهو أمر لا يصدق لأنه لم يكن هناك أحد على الإطلاق في المنزل، كما لم يكن هناك أي جيران. ومن ثم، بدافع الشك، كنت عندما أدخل المنزل، أقول بكل احترام: طاب يومك سيد بيتشو. كيف أحوالك؟ يضيف مبتسما لاعب الكرة الأورجوائي السابق.