الصكّار.. رحل، ولتكتفي بغداد بالتأبين، ولطم الصدور لعظمائها، وأجلاّئها في المنافي الباردة، رحل أبو ريّا، ، وإن كان في القلب أسى من بغداد ولبغداد، لكنه أحب فرنسا كجنة من برزخ، أهدته بدل القلم، عشرة أقلام ومحبرة، وبدل السفر على جُنح الضاد في حدودها المعطلة، منحته الأفق والغمام، ومرسما إن تعب وعاد، ومعنى أن يكون الإحترام، يبكي الحلاّج، ويبكي نفسه، حينما يتذكر أيام محنة " أبجدية الصكّار" التي أبتكرها لتعزيز العربية، وتطويعها للتقانة، لكن المسؤول العربي، وما يمكن أن يفعله لشيء لا ينسب إليه، فكان خلاف الأصدقاء طارق عزيز - المسؤول- والصكّار - المبتكر-، وبداية رحلة المنافى والاختيارات، وتلك الأوجاع التي تذّكرك بالوطن دوماً وأبدا!
ضمتنا وأبو ريّا مدن: كباريس ولندن وبيروت وأبوظبي، وأخرى، وأماكن كثر،، تحلّق حولنا أصدقاء عابرون، وباقون، كانت جلسات من معرفة، حين لا يخدش المعرفة شيء، وكانت الضحكات تتالي الضحكات، حين يمدح العنب والعنب، ويمتدح القمر، وحين نرعف نساء من وقت وتعب وسفر، كان الصكّار يشرق بتلك الضحكة المتبوعة بسعلة من تبغ، فيدفيء بمعطفه صدره وجسده الهزيل كقصبة من خيزران، ويعود يتذكر.. ويتذكر، كانت آخر جلسة ضمتنا قبل عام، وأكثر، في مطعم باريسي مع عماد الدين أديب، ونجم عبدالكريم، وكان الصكّار يومها متجليّاً، ولا يحب شيئاً أكثر من الحياة!
المصدر:
جريدة الاتحاد الأربعاء 26 مارس