لم يُصدق علاء ما أوضحه مصطفى، ذاك أن ما قرأه على صفحته يوحي بفرح حقيقي، ولم يكن مجرد "مسايرة". ثم إن مراقبة المؤسسات صفحات موظفيها أمر مبالغ فيه، وهو قد يتم في حال كتب مصطفى ضد تدخل "حزب الله" في سورية، وكان بإمكانه أن يمتنع عن التعليق على الحدث في حال لم تُصبه الغبطة في "النصر في يبرود"، فيتجنب بذلك عقاب المؤسسة.
ومصطفى هذا، المغتبط بالـ"إنجاز"، هو دائماً متنازع بين رغباته في الانقياد وراء "حزب الله" في "انتصاراته" وبين ارتدادات هذه الانتصارات عليه وعلى عائلته. وهذه حاله على مختلف مستويات احتكاكه بالحزب. هو علماني على ما يقول، ولا ينسجم مع القواعد "الصارمة" التي يشتهيها "حزب الله" لمناصريه.
يشرب مصطفى الخمر، وزوجته غير محجبة، ويتمنى لو أن "حزب الله" غير محجب. في 7 أيار 2008 كان مع اجتياح الحزب لبيروت، لكنه كان ضد اقتحامه تلفزيون "المستقبل". وهو معجب كثيراً بالسيد حسن نصر الله، لكنه يتمنى لو كان السيد قائداً لكل الشيعة ولكل الشعب، مؤمنين وغير مؤمنين.
ومصطفى يُفصح عن طرف إعجاب بالحزب، ويضمر إعجاباً آخر، تُفصح عنه تعليقاته. يقول شفهياً أنه مع "حزب الله" في الجنوب، أما في سورية، فهو ليس ضد الحزب، إنما ضد الجميع هناك.
لكن الرجل لا يقوى في الكثير من الأحيان على مقاومة الانتشاء بـ"فعالية" الحزب. يخرج للحظات عن تحفظه، فيكشف خروجه اضطراباً داخلياً. يشتم الحزب بعد كل تفجير في الضاحية الجنوبية، ويمتدحه بعد كل "نصر" في سورية. وها هو اليوم منقاد وراء ما يُخلفه كل حدث، فتتراوح مشاعره بين الخوف وبين الغبطة صعوداً ونزولاً، تماماً كما المقامر قبل أن يصيب دولاب الحظ رقمه، أو قبل أن يتجاوزه. وبينما يخسر المقامر راتبه أو يربح أضعافه، ينتظر مصطفى حظه المتأرجح بين "النصر في يبرود" واحتمال الانفجار الانتحاري في الضاحية الجنوبية.
وفي غمرة هذا التأرجح يصاب الرجل بالنكران، وفيما يُمضي الليل مع نفسه مفصحاً على "فايسبوك" عما يُخامره من مشاعر، يستيقظ في الصباح ساعياً للملمة ما لا يليق به من تعليقات كتبها. فالمعركة في يبرود لا مجال لتغليفها بغير حقيقتها. هي في أحسن الأحوال حرب للحؤول دون أن "تُسبى زينب مرة ثانية" وفي أسوئها حرب لحماية بشار الأسد، والاحتمالان كلاهما لا يليق بمصطفى في النهار، هو الشاب المودرن الذي لا يُشبه "حزب الله" بغير كرهه لإسرائيل. أما في الليل، فلمصطفى كلام آخر مع نفسه.