رحيل الياسين لم ولن يكن عابرًا وإن توالت سنوات الذكرى، فهو سيبقى أسطورة من الأساطير التي تدل على إبداع الخالق جل في علاه، إذ جعله مصدر إلهام لكل من عرفه وجالسه، ونور من حكمة لكل من قصده، وينبوع من إنسانيةٍ صادقةٍ لكل من طرق بابه، شيخٌ بمعنى الكلمة لم تغره المظاهر، كما لم يُغريه منصبه، ولم يُحرك في ذاته حب الرشوة، كأن يرتشي من موقع مسؤوليته في زعامة حماس، بل بقي بحق روحها النضرة، محافظّا على اخضرارها في عز تاريخ ملاحقة أعضائها وكوادرها ليس فقط من قبل الاحتلال الإسرائيلي وموساده بل أيضًا من قبل أبناء جلدته في السلطة الفلسطينية!
من الصعب أن يأتي رجل كما الياسين، يحبه الجميع، يعمل لله ولأجل الله ويحب الجميع من أجل اللههو زعيمٌ يعلمنا الزعامة الحقيقية، الزعامة التي ينتصرُ فيها لدينه وعرضه وأمانته، فكرسيُ إعاقته هزّ عروش قادة العالم وأمرائه أينما كانوا، لم يخذل أحدًا طرق بابه وإن خُذل، محبوب حتى من مخالفيه في الرأي والنهج، يُجمعُ عليه الجميع، أقام الحجةَ علينا إلى يوم الدين، جبهته غراء وضاءة، لباسه الأبيض ينتصرُ فيه لسنة النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، يُخبرنا فيه عن النقاء القوي وإن حاول البعض أن يستضعفه ويُحاصره أو يفنيه، فهو لا يُفنى، بل يُحاصر الكون كله ويُحركه ولا يُثنيه أحد، هو دينامو بارز في التأثير التي لا يُستهان به، تصريحاته التي تخرج في توقيتٍ دقيق كما كل مرة، لها دورها في تأليب الجماهير ضد الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه، أجمل ما في عصره أن حركته لم ترفع سلاحها في وجهِ أيٍ من أبناء جلدتنا، كان لا يصد أحدًا عن التعبير، يُدركُ أن بعض من قصدوه بهدف المساعدة المالية قد استغلوه، لكنه قال لمرافقيه بل مساعديه تركوهم ولا تدخلوا في نياتهم أو أطماعهم؛ لنساعدهم والله يتولاهم”!
كان ولا زال إنسانا، أجزم أن التراب الذي ضمه مبتهجًا لأنه يضم جسد أطهرَ رجلٍ عرفته غزة، غزة التي كانت في عهده لا تعرف الإقصاء وإن عرفته على يد رجال السلطة وبعض المتنفذين في حركة فتح!!
من الصعب أن يأتي رجل كما الياسين، يحبه الجميع، يعمل لله ولأجل الله ويحب الجميع من أجل الله، يُحاول البعض أن يقتدوا به وأن يُقلدوه، أتمنى أن ينجحوا وأولى علامات نجاحهم في نظري أن ينجحوا في تخليصنا من كل تظلمٍ نحياه، نحن جيل الانقسام السياسي، جيل أوسلو اللعينة التي يجب أن تُشطب من قاموسنا وإلى الأبد!
سيبقى الياسين أعز عليّ من سيدي اللذيْن أنجبا والديّ؛ فهو جدي الذي ورثني التضحية والفداء، سعيدة بأنني قابلته وجها لوجه في المجمع الإسلامي، وقد كنت عريفة لإحدى احتفالاتِ مجمعه، والأجمل أنني سأبقى أسيرُ على دربه ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا، بل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، الياسين في القلب والعقل والوجدان، وإن أخطأت حماس في تقدير موقف فإنني سعيدة بأنها بوصلتها نحو التشبث بقيم الياسين رافعة شعار “تصحيح مسار”!
-------------
مدونات الجزيرة