الحجة الأولى هي ان "جعجع هو من ارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا". هذا غير صحيح مطلقا، من ارتكب المجزرة هو الجيش الإسرائيلي تخطيطا وإشرافا وميليشيا سعد حداد تنفيذا بالتعاون مع القائد القواتي إيلي حبيقة (كانت تحت إمرته ميليشيا شبه مستقلة عن هيكل منظمة القوات اللبنانية).
المجزرة البشعة وقعت في 16 – 19 سبتمبر 1982، إذا سلمنا جدلا بمسؤولية تتحملها القوات اللبنانية في ذلك الوقت، أيضا لن يكون لـ (جعجع) صلة بالموضوع. عام 1982 كانت القوات تحت قيادة فادي افرام (1982 – 1984)، خلفه فؤاد أبو ناضر (1984 – 1985) لتنتقل القيادة إلى إيلي حبيقة وسمير جعجع (1985 – 1986) ثم انفرد بعد ذلك بالقيادة منذ عام 1986 إلى تاريخه. الخلاصة أن (جعجع) لم يظهر في مشهد القرار بالقوات إلا بعد 3 سنوات من ارتكاب المجزرة.
الحجة الثانية هي أن "جعجع أدخل إسرائيل إلى لبنان وتعاون معهم". هذا غير صحيح مطلقا، انطلق التعاون بين القوات اللبنانية في عهد مؤسسها الشيخ بشير الجميل بعد ان ضاق المشهد المسيحي في مواجهة السوريين والفلسطينيين، والتفاصيل الكاملة لهذه القصة واردة في كتاب (قصة الموارنة في الحرب) لجوزيف أبو خليل وهو من قياديي الكتائب. ما لا يعرفه البعض، أن من أهم قرارات سمير جعجع بعد انفراده بقيادة القوات اللبنانية قطع العلاقات مع إسرائيل وإغلاق سفارتها في ضبية. ويجب ان نضيف ان الاتصال بالإسرائيليين لم يكن حكرا على القوات والكتائب، بل كان لوليد جنبلاط (زعيم الدروز) اتصالات مكثفة معها – في العلن – بعد اجتياحها لبنان واعتبر حليفها في مرحلة معينة. حليف المقاومة – اليوم – الجنرال ميشيل عون كان على اتصال بإسرائيل منذ 1982 إلى خروجه من قصر بعبدا 1990، وبإمكان القارئ أن يراجع محركات البحث ليطالع الصورة التي تبرزه مرحبا بقيادي إسرائيلي بعد احتلال مجلس النواب، إضافة إلى كتاب (عودة الجمهورية) للرئيس الياس الهراوي الذي نقل بعضا من وثائق اتصال عون بالإسرائيليين. ميليشيا سعد حداد (جيش لبنان الجنوبي) كانت على صلة عضوية بإسرائيل (قيادتها مسيحية و 70% من عناصرها شيعة). حين اجتاحت إسرائيل لبنان استقبلها أهل الجنوب بالورود نظرا للتنكيل الفلسطيني بهم!.
الحجة الثالثة هي أن "جعجع ارتكب مجزرة إهدن عام 1978 التي أودت بطوني فرنجية وعائلته"، وهذا غير دقيق بالمرة. في ذلك الوقت كان حزب الكتائب بقيادة بيار الجميل وكانت القوات اللبنانية بقيادة بشير الجميل، وكان (جعجع) آمر مجموعة ثانوية في شمال لبنان يسبقه في الهيكل التنظيمي صف عريض كإيلي حبيقة وبطرس خوند. تصالح حزب المردة الذي يتزعمه سليمان فرنجية مع حزب الكتائب وآل الجميل وإيلي حبيقة ليصب خصومته على جندي صغير أصيب قبل الارتكاب الحرفي للمجزرة!.
الحجة الرابعة هي أن "جعجع قتل الزعيم المسيحي داني شمعون ورئيس الوزراء السني رشيد كرامي، ومدان قضائيا بذلك". وهذه الحجة مبنية على أساس قانوني مختل، فالمحاكمات تمت على أساس اتهام (جعجع) بتفجير كنيسة سيدة النجاة عام 1994 ونال فيها البراءة لاحقا، وبالتالي فإن القضايا التي تدور حولها بلا أساس. فوفق قانون العفو الصادر عام 1991 الذي شمل كل امراء الحرب والجرائم الواقعة خلال الحرب الأهلية، لا يسقط القانون إلا بشروط أهمها "إذا استمر مرتكبوها (الجرائم) في ارتكابها أو عاودوا ارتكاب مثلها بعد تاريخ العمل بهذا القانون"، وعلى أساس هذا النص تمت محاكمة (جعجع) باغتيال شمعون وكرامي مع محاكمته بتفجير كنيسة سيدة النجاة الذي وقع بعد قانون العفو. كما ان المحاكمات تمت في عهد الوصاية السورية المعادي لـ (جعجع)، وبالتالي انتفت شروط أساسية في قيمة ومفهوم "المحاكمة العادلة" التي من حق (جعجع) أن يتمتع بها.
ان اتهام (جعجع) باغتيال (كرامي) و (شمعون) يطغى عليه النفس السياسي بلا ريب، فالذي وقع قانون العفو هو الرئيس عمر كرامي (شقيق رشيد) كرئيس لحكومة عين فيها سمير جعجع وزيرا (1990 – 1992)، فهل اكتشف (كرامي) فجأة أن (جعجع) هو قاتل شقيقه؟!. عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عرضت سلطة الوصاية السورية على سمير جعجع الإفراج الفوري مقابل تحالفه مع عمر كرامي في محافظات الشمال بلبنان، لكن (جعجع) رفض العرض!.اتهام (جعجع) باغتيال الزعيم المسيحي داني شمعون غير مقنع لعائلة (شمعون) نفسها، وشقيق داني (دوري) – اليوم – من الحلفاء الدائمين لـ (جعجع).
لم يكن (جعجع) أمير الحرب الوحيد في لبنان، لكنه الأمير الوحيد الذي حوكم، وفي هذا الاستثناء وقع عليه الظلم. جرائم حركة (أمل) في الحرب الأهلية – كحرب المخيمات واحتلال بيروت – لم تمنع زعيمها نبيه بري من رئاسة مجلس النواب. جرائم الحزب التقدمي الاشتراكي في الحرب الأهلية – كحرب الجبل وحرب العلمين – لم تمنع قائده وليد جنبلاط من الزعامة والتوزير، وهذا يسري أيضا على ميشيل عون صاحب حرب الإلغاء.
يستهدف (جعجع) دون غيره لأسباب أهمها موقفه من الوصاية السورية. قامت سلطات الوصاية بشيطنته لمصلحة تبرئة سلفه في قيادة القوات (إيلي حبيقة) وقمع أي مناهض لها. كما ان بعض أمراء الحرب يساهمون في شيطنة (جعجع) كنوع من تبرئة الذات!.
سمير جعجع منذ خرج من سجنه السياسي عام 2005 يثبت – يوما بعد يوم – أنه روح تيار السيادة والاستقلال (14 آذار)، وبذلك خرج من إطار الزعيم المسيحي إلى دائرة الزعيم الوطني، فبغياب سعد الحريري وتقلبات وليد جنبلاط واختطاف القرار الشيعي من (حزب الله) و(أمل)، غدا جعجع زعيما للأحرار من السنة والدروز والشيعة كما هو زعيم لأحرار المسيحيين.
طوال مسيرة (جعجع) السياسية كان زعيما لبنانيا صرفا مستقلا، وهذه اللبنانية هي مصدر قوته في الداخل ومصدر احترامه في الخارج. الانتماء اللبناني أهم مواصفات رئاسة الجمهورية في مرحلة تشهد تمزق لبنان بين مشاريع إقليمية وتوسعية تستهدفه، لذا يستحق قصر بعبدا سمير جعجع لأنه من اللبنانيين القلة في لبنان!.