جل ما فعله عون، عندما وضع يده بيد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أنه ضمن، بالتحالف السياسي، أمنه وأمانه.
وعون المغرم بعون، لا ينسى ما قاله عون، قبل عودته الى بيروت، عن جرائم النظام السوري وعن إرهاب "حزب الله". هو لا ينسى ما كان يقوله، بل يتناساه. والدوائر الفرنسية كما الكونغرس الأميريكي، يحتفظان بأرشيف عوني ثمين.
ولذلك، يمكن القول إنه لم يسبق للعماد ميشال عون أن قال، في مجلس سياسي، كلاما "موزونا" كالكلام الذي قاله للرئيس سعد الحريري عن شروط العودة الآمنة الى لبنان.
عون لم يغش الحريري. ساواه بنفسه. الأجواء الباريسية، أوحت له، بذلك.
عندما حان وقت عودة " الجنرال" الى لبنان، على إثر انتصار ثورة الأرز، بالمد الشعبي الهائل في 14 آذار 2005، لم يركب أول طائرة متجهة من مطار شارل ديغول الى مطار رفيق الحريري، بل على العكس، إنتظر حتى استكمل مظلة سياسية واقية.
كان يرفض أن يعود الى بيروت بلا ترتيب يقيه من أن يُلاقي مصير من كان يُعدد أسماءهم كضحايا للإرهاب الذي يرعاه النظام السوري.
يومها، عقد اتفاق العودة مع كريم بقرادوني واميل واميل لحود، بصفتهما يمثلان من يقف وراء الرئيس الممددة ولايته أميل لحود.
الصفقة التي عقدها عون، كانت على حساب 14 آذار، التي بدأت تشهد تفسخات، منذ وصول " الجنرال" صارخا الى صالون الشرف في المطار.
وبتلك الصفقة السياسية، ضمن ميشال عون أمنه وأمانه.
وجل ما فعله ميشال عون أنه طلب من سعد الحريري ان يسلك الطريق التي سبق له وسلكها هو بنفسه.
ويعرف ميشال عون، وخلافا للحملة الدعائية التي شارك بها التيار الوطني الحر ضد انتقال أبو حسام الى الخارج، أن قرار التصفية الجسدية للحريري، قد اتُخذ، في اللحظة نفسها التي اتُخذ فيها قرار إقالة الحكومة التي يترأسها، وأن الحريري خرج من لبنان في التوقيت المناسب، أي التوقيت الذي سبق بدء التنفيذ الجرمي.
وهذا سيناريو، شاهدناه هو نفسه في محاكمة مجموعة "حزب الله" المتهمة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ إن وضع خطة الإغتيال، بدأ في اللحظة التي قرر فيها أبو بهاء تقديم استقالته من رئاسة الحكومة مرفقا باعتذار عن عدم قبوله تشكيل حكومة جديدة.
ويعرف ميشال عون- ولو كان يقدم لـ "حزب الله" خدمة التغطية على الجرائم- أن اغتيال كل من اللواء وسام الحسن والوزير السابق محمد شطح، كان اغتيالا، بالواسطة، لسعد الحريري.
ولأنه يعرف ذلك وأكثر، دعا الحريري الى أن يقتدي به، ويعود الى لبنان، بصفقة سياسية توفر أمنه وتقيه خطر الموت.
وهذه الصفقة واضحة المعالم، وحجر الزاوية فيها: التسليم لحزب الله بالوظيفة الإقليمية التي يؤديها لمصلحة إيران.
وعون لا يخشى من النصح باعتماد تجربته، على اعتبار أن من "يحرد" اليوم في القواعد الشعبية سيعود ويرضى غدا، بمجرد أن تتضح المكاسب السلطوية التي يوفرها له " الإستسلام"، ولديه الدليل على ذلك في مؤيديه، إذ إن ما خسره شعبيا لا يوازي ما ربحه، أمنيا وسلطويا وتحالفات.
الإيجابية في ما سميناه مقايضة أمن سعد الحريري بترئيس ميشال عون، أن " الجنرال" فضح انتماءه الى محور الجريمة في لبنان.
المشكلة في هذه المقايضة، أن في لبنان من يزعّمهم الناس، ليُروّجوا لخيانة الذات وخيانة المبدأ وخيانة الوكالة، من أجل منصب.
الطريق الذي سبق لعون أن سلكه، كلف لبنان الكثير، لأنه "سيّد" الدويلة على الدولة، وقوّى هيبة السلاح على هيبة السلطة، وجعل الخوف ينتشر في كل مكان، وجعل الخيانة وجهة نظر.
ما أبشع أن ترى أمامك من يُقنعك أن تترك إنسانيتك لتتحّول الى ...خروف!