نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


صدق أو لا تصدق: رجل الأعمال الذي رفض طلبا للرئيس!






ترشح بشار الأسد للانتخابات انقلاب ضد النظام!
درس الوحدة الوطنية: وامتازوا اليوم أيها المجرمون!
بين ذكاء ديانا جبور وغباء رفعت الأسد!
سامي ورامي وطانط بثينة.. والمرصد السوري الذي يجمعهم!
روى الصحافي السوري المخضرم غسان الإمام ذات مرة، حادثة جرت معه في خمسينيات القرن العشرين، عندما كان يعمل مصححاً لغوياً في إحدى الصحف، ونشر خبراً بالخطأ عن إفلاس أحد التجار، فأقام دعوة ضد الجريدة وكسب حكماً بسجن مديرها المسوؤل... يقول غسان الإمام:


 
   
 
 
 
 
 
كنت في بداية عملي في الصحافة. كنت أحسب أن الصحافي وليس القاضي هو الذي يصدر الحكم بالإفلاس. كانت سوريا في تلك الأيام البعيدة دولة فيها قانون وأنظمة وقضاء نزيه. أقام الرجل المتضرر دعوى على الصحيفة اليومية التي أحررها. بعد أيام، رأيت المدير المسؤول يدخل السجن بحكم قضائي. ومن سوء الحظ أن المدير المسؤول كان صاحب الجريدة نفسه. سأذكر ما حييت مشهدا لا أنساه. كنت أقف على مقربة من الرئيس شكري القوتلي في حفل رسمي عام. فجأة رأيت الرئيس الراحل يستدير ويدعو بصوته الجهوري رجل الأعمال صاحب الدعوى القضائية الذي كان حاضرا الحفل: ( تعال يا فلان، لماذا لا تسقط حقك عن فلان؟ أليس من المعيب أن يظل صحافي في عهدي خلف القضبان؟). لو أن رئيسا في هذه الأيام دعا رجل أعمال متضرراً لإسقاط دعواه في مثل هذه الحال، فهل يجرؤ على الرفض؟ اقترب الرجل من الرئيس، وقال له بصلافة العجرفة: (سيدي الرئيس، لو أن فلاناً ذبح أولادي الثلاثة على ركبتي، لما ألحق بي الضرر الذي ألحقه الخبر. لقد تضررت سمعتي ومكانة أعمالي الممتدة من هونكونغ وعدن إلى لندن). سكت الرئيس الطيب. لم يضع رجل الأعمال في السجن. لم يهدده. لم يصادر تجارته. فقد كانت سوريا آنذاك دولة القانون والحقوق والاحترام. ترك الرئيس القوتلي بحكمته وصبره للوساطات الحميدة أن تتابع القضية، إلى أن خجل رجل الأعمال وأسقط حقه ودعواه". 
 
في ظل مثل هكذا أجواء عملت الصحافة السورية، ونمت وترعرت خلال عقود طويلة، حتى صارت مدرسة صحفية لامعة في الوطن العربي، وقوة ضاربة تخوض معارك، وتسقط حكومات، وتعكس تيارات، وتعبر عن حيوية مجتمع يبدو إعلامه معبراً حقيقياً عن الحراك الذي يعيشه، والآمال والأحلام التي يسعى لبلورتها.
 
أذكر حين قرأت كلمات غسان الإمام التي نشرها في زاويته الصحفية في صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية عام (2007) احتفظت بها بين قصاصات الصحف الأثيرة لدي، ورحت أتذكر المعارك الصغيرة التي خضتها بمرارة خلال العشرين سنة الأولى من عملي الصحفي.. فطالما أرسلتني مقالة أنتقد فيها التلفزيون السوري إلى التحقيق في إحدى فروع الأمن، ولطالما منعت من الكتابة والعمل ودخول مؤسسات إعلامية، لأنني انتقدت فناناً مدعوماً، أو مسلسلاً تبناه وزير إعلام، أو مذيعة تربطها بوزير ما علاقة (غير افتراضية)... وكانت آخر التهديدات التي تلقيتها قبل خروجي من سوريا، تهديداً شفهياً أرسله لي وزير الإعلام الأسبق محسن بلال، عام 2010 ويتهمني بأنني طائفي وأنني سأحاسب في القريب العاجل؛ لأنني كتبت مقالا في صحفية القدس العربي بعنوان: (مهرجان دمشق السينمائي في حضن الرباطية الإعلامية) أنتقد فيه دفاع الصحافة الرسمية والتلفزيون السوري المستميت عن أخطاء المهرجان المذكور والتغطية على فضائحه، ومنع نشر أي نقد عنه، بتوجيه شخصي من وزارة الإعلام. وقد فسر محسن بلال مقالي ذاك بأنه إشارة إلى أنه (ومدير المهرجان) ينتميان لطائفة واحدة، ولذلك فأنا ألمح أنه يدافع عن أخطائه لأسباب طائفية، ولأنني (طائفي قذر)! 
 
حين أستعيد شريط حياتي الصحفية، أشعر أن كل المعارك التي خضتها أو دفعت إلى خوضها، كانت بسبب انتمائي إلى مهنة (مغضوب عليها)، مهنة مُنع السوريون لعقود من ممارستها بشكل حقيقي وجاد... فقد فرض عليهم أن يكتبوا في صحافة صورية، وأن يدبجوا مقالات مزيفة، تغمض العين عن الواقع، وتغض الطرف عن الحقيقة مهما كانت جلية وفاقعة... قبل أن يتم إغرق الصحافة السورية بكم من المخبرين والكتاب الرديئين، الذين أراحوا الرقباء وفروع الأمن، بعد أن صارت علة الصحافة أن: (دود الخل منه وفيه) وأن الصحافيين الحقيقيين الذين يعشقون مهنتهم ويدافعون عنها، ولا يعرفون كيف يغشونها، باتوا استثناءً ونشازاً، يسهل محاصرته واحتواء مشاغباته! 
 
حين استولى حزب البعث على السلطة في سوريا، في انقلاب الثامن من آذار عام 1963، كان من أولى القرارات التي أصدرها، إغلاق عشرات الصحف والمجلات الخاصة التي كانت تصدر في دمشق وحلب وحمص وحماه وباقي المدن السورية... ولم يكن هذا القرار اعتباطياً، فقد أدرك هذا الحزب الشمولي المسكون بعقلية الدوغماء والعسكر، أن تعدد الآراء يهدد وجوده، وأن صحيفة (البعث) التي كان يصدرها منذ نهاية أربعينيات القرن العشرين، ولم يكن يلتفت إليها أحد، ستبقى كذلك في ظل الصحف القوية الحرة... فقضى بذلك على ركيزة هامة من ركائز أي مجتمع متحضر.... ثم استبدل الصحف الخاصة، بصحافة رسمية مدجنة تطبل وتزمر، وتهتف بحياة النظام وتؤلّه السيد الرئيس، وتغض النظر عن الفساد وتحمل أسماء مختلفة لصحيفة واحدة تتكرر فيها العناوين وتستنسخ المواقف... 
 
وبقي الحال هكذا مع السماح لبعض الصحف الخاصة... التي لم تكن بأفضل من الصحف الرسمية بطبيعة الحال... هذه الحال التي انسحبت على قنوات التلفزيون السوري وبعض المحطات الخاصة، التي رأى السوريون كيف تمارس النفاق والتزوير بأبشع صوره وهي تتعامل مع دماء شهدائهم وأحداث ثورتهم ضد الاستبداد والطغيان. 
 
وحين بدأت الصحف والمجلات الشابة تتوالى في ظل الثورة، يبدعها شبان وناشطون، رأوا في بلاط صاحبة الجلالة تعبيراً حياً عن أملهم، بأن يكونوا صوتاً في وطنهم... شعرتُ رغم أنني لم أساهم فيها فعلياً، ورغم بعض ملاحظاتي المهنية على كثير مما يصدر منها، أن هؤلاء الشبان قد أخذوا بثأر جيلنا.. وأن هذه التجارب الصحفية الممنوعة، أو الموزعة سراً، أو المنتشرة عبر الفضاء الإلكتروني، وجهت صفعة لكل الخطوط الحمراء التي عمل النظام على تكريسها، وتقييد الصحافيين في موانعها وضوابطها، ساعياً عبر عقود إلى تدجين ما لا يدجن، وسجن مهنة لا يمكن أن تحيا إلا خارج السجون.. لأن أولى مهماتها، تهديم كل سجون الخوف وتكميم الأفواه، ونقل صوت الوجع، في زمن طالما امتلأ بالآلام، وفاض بالقهر الذي يصنعه عجز صحفي حر عن نقل تلك الآلام بحرية. 
 
تقول لنا هذه الصحافة الشابة، المسكونة بالنزق والأحلام، النابتة على ضفاف الثورة، الهاربة من تراخيص وزارة الإعلام وخدمات مؤسسة التوزيع، ورشاوي مؤسسة الإعلان، الغائبة عن أكشاك الصحف وواجهة المكتبات... إن حرية الإعلام جزء من مشهد ثري وممتلئ بالتنوع والاختلاف، يحلم به السوريون... وإنه لا يمكن تخيل صورة سوريا المستقبل بلا صحافة حرة، وإعلام صادق ينقل وجع المواطن بدل أن يكون بوقاً في يد السلطة... فحرية الإعلام والصحافة ليست تفصيلا هامشياً في تشكيل الحياة الحرة الكريمة التي ينشدها السوريون... بل هي ضمانة الحقوق، وصوت الاحتجاج الشعبي، وعين الرقيب الذي يحاسب الحكومة على فسادها وتقصيرها... وأمل الناس في أن يروا صورتهم ووجعهم وآلامهم في مرآة إعلامهم الوطني. 
حرية الصحافة، ضمانة الانتخابات النزيهة، والقضاء المستقل، وقيم العدالة وتساوي المواطنين أمام القانون... فكل هذه هي شأن الصحافة والإعلام، يسلط الضوء عليها، ويفضح تناقضاتها إن وجدت، ويفسح في المجال أمام المواطن المتضرر كي يلجأ إليها ليوصل صوته، ويتواصل مع الرأي العام الذي يدعم قضيته. 
 
ليس غريباً في ثورة الحرية ضد الاستبداد أن يسخر السوريون من إعلامهم، ويحذروا مضاره... وأن يخرجوا كي يهتفوا ضد الإعلام السوري الكاذب... وأن يصبح هذا الإعلام شريكاً في القتل من وجهة نظرهم، فقد لمس السوريون خلال الثورة، كم من الضروري أن يكون الإعلام صادقاً كي يدافع عنهم، ويعبر عن آلامهم... لمسوا جيداً أنه لا معنى للمستقبل من دون إعلام حر... ولا أمل في سوريا المستقبل بلا حرية الصحافة والإعلام. 
 
فتحية لكل من خط سطراً، ومن أحيا أملاً، ومن تنادى مع زملائه ورفاقه الأحرار، كي يُنشئوا مجلة أو صحيفة أو يطبعوا منشوراً... وياليتني كنت ذلك الشاب الذي كان يلهث على دروب الصحافة والخبر قبل أربع وعشرين عاماً، ويفرح حين يشتري صحيفة يحبها، كما يفرح طفل بثياب العيد... كي أعيش هذا العيد معكم.. وكي أحقق أحلامي الصحفية عبركم... وما أشد اشتياقي إليكم زملائي، لأرى صدى حريتكم ومطبوعاتكم في دمشق الحرة في قريب عاجل، نجلس سوية في مقهى دمشقي.. نقرأ فيه صحفكم ومجلاتكم، وقد كبرت ونمت وتطورت... ونخوض في نجاحاتكم وعثراتكم كي تبدو الصورة أجمل، وكي نستعيد وطناً سرقت منه صحافته... ففسد الهواء في المبنى كله، وتلبدت سماؤه بالغيوم السوداء، قبل أن تفتح الثورة سماء جديدة صافية، ترفرف فيها رايات الإعلام الحر، وصحافة الأحرار... ويستأنف الوطن مساره الطبيعي، بعد أن يودع زمن الاستبداد الاستثنائي إلى الأبد.
--------------
زمان الوصل

محمد منصور
الخميس 6 فبراير 2014