المثال الصادق والصارخ على إجرام النظام الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه أخذ شكلاً جديداً خلال الشهرين الماضيين وتمثّل باستخدام البراميل؛ ولمن لا يعرف البراميل، فهي عبارة عن حاويات مليئة بالوقود والزجاج والأدوات الحربية القاتلة والمصممّة لفناء اكبر عدد ممكن من المواطنين المدنيين وإرهابهم. تُرمى هذه البراميل من طائرات سورية على المدارس و الجوامع و مناطق آهلة بالسكان. ويشهد على ذلك فيديو يصوّر رجلاً يقف و يحمل طفلاً و يصرخ إثر سقوط برميل : “يا ألله! كفاية! النجدة! لهذا السبب وصّف مدير المخابرات الأمريكية بالأمس المأسات السورية بالكارثة البشرية. و ليس هناك أصدق من هكذا كلمات في توصيف ما يحدث في سورية و خاصة بعد مقتل130 ألف سوري و بعد تهجير ثلث سورية. و لكن هذه المأساة البشرية لم تعد تخص سورية تحديداً بل أضحت صراعاً أقليمياً و تهديداً لأمننا القومي.
يحدث ذلك في ظل تدفق أآلاف الإرهابين من حزب الله ومن إيران، و في ظل تدفق السلاح الروسي؛ و في وقت نقوم و الروس بنزع سلاح النظام الكيماوي. الصراع في سورية يهز كيان الجيران الإقليميين لسورية. فها هو لبنان يشهد اضطرابات و حرائق و تفجيرات كردة فعل على مشاركة حزب الله في المعركة.
تشير التقديرات إلى أن نصف سكان لبنان سيكون من السوريين بعد فترة وجيزة. و سيشكل السوريون15% من سكان الأردن. مما يساهم في اضطرابات اجتماعية في تلك البلدان. و تجدر الأشارة إلى أن تركيا أصبحت في حالة عدم استقرار. ويُعزى أحد أسباب خطورة الوضع السوري في استقرار تنظيم القاعدة في سورية و الذي كَبُر ليشكل ما يعرف بداعش. و يشكل هذا تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي و إلى أقرب حلفائها المباشرين.
و من هنا يقول “جي جنسون إن سورية أضحت مسألة أمن وطني بالنسبة لأمريكا ؛ هذا إضافة إلى قول مدير الاستخبارات الأمريكية بأن القاعدة الآن في سورية تذكّر بما كانت عليه في باكستان و أفغانستان قبيل كارثة 11 أيلول. و من هنا فإن تواجد القاعدة في أماكن خارج السيطرة يشكّل بحق و حقيقة تهديداً مباشراً لأمننا القومي. و ما نراه أمامنا الآن هو افغانستان جديدة في العاشر من أيلول؛ أي يوماً واحداً قبل 11 أيلول؛ و هذا بالضبط ما تتحول إليه سورية اليوم. هكذا يحذرنا المسئوولون الكبار في الإدارة.
ما يحدث في سورية ليس فقط تهديداً لمصالحنا؛ إنه صراع أخلاقي. فصور الضحايا يجب ألا تكون مجرد مصدر لإثارة تعاطفنا، بل يجب أن تكون دعوة للقيام بشيء ما.
في بداية الثورة السورية وجّه الرئيس أوباما بالقيام ببحوث حول الأعمال الإجرامية ضد الجماهير؛ و خرج علينا بالقول إن المذابح الجماعية تهديد لأمننا القومي و مسؤولية أخلاقية.
إن المذابح الجماعية واقتلاع المدنيين من وطنهم يهدد أمننا القومي. و في خطاب له العام الماضي في متحف المحارق اليهودية تحدث الرئيس أوباما في التغافل عن الإجرام بحق المدنيين. لقد فشل العالم على الدوام بمنع قتل الأبرياء و يؤلمنا في الصميم عدم وقفنا لتلك الجرائم وعدم قدرتنا على الحفاظ على الحياة البشرية. وفي أيلول أمام الأمم المتحدة قال أوباما: ” سيادة الدولة على أراضيها أمر مقدس؛ و لكنها في الوقت ذاته، يجب ألا تتحول إلى ترس يغطي قيام الحكومات بارتكاب جرائم الحرب. و ما هي بذريعه للمجتمع الدولي كي يغمض عينيه تجاه تلك الجرائم، و إن لم يكن بمقدورنا أن نوقف كل عمل شرير، علينا أن نقر بأن هذا العالم يرتضي لنفسه العيش بين المقابر الجماعية “. كان ذلك هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. إنني أوافق على كل كلمة قالها؛ و لكن بحق الآلهة؛ كيف لنا أن نفهم و نقبل العيش مع تلك الصور السورية.
فكيف يستقيم قولنا بانه واجبنا الأخلاقي أن نوقف جرائم حرب تحدث في هذا العالم و نشهد في الوقت ذاته جرائم الحرب تحدث يومياً في سورية، ولا نفعل شيئاً. فأين ذلك الرئيس أوباما اليوم؟ أين أوباما الذي تحدث عن المسؤولية الأخلاقية التي على القوة الأعظم في العالم أن تقف في وجه جرائم الحرب؟ أين تلك القوة العظمى التي تشهد الجرائم في سورية و لا تحرك ساكناً. فهاهي المقابر الجماعية حقائق أمامنا تفقأ العيون؛ إنها تحدث في سورية اليوم . و للأسف تقف حكومتنا و تفعل تماماً ما فعلت في الماضي؛ أي لا شيء. ها نحن نحاول أن نريح ضمائرنا المذنبة بقولنا لأنفسنا غير صحيح أننا لا نفعل شيء. لكن ذلك حق يراد به باطل . لا احد يستطيع أن ينكر بأن لا شيء نفعله تجاه ما يحدث . ها نحن نقول لأنفسنا بأننا متعبون و قلقون تجاه أي أنخراط في المسألة. فسوريا ليست مشكلتنا وما هي مسؤليتنا؛ فلا خيارات كثيرة أمامنا. كما لو أن هناك خيارات حسنة أمام السياسة الخارجية. و ربما نقول لأنفسنا إنه كان بامكاننا أن نفعل شيئاً ما سابقاً؛ و لكن لابد و أن الوقت تأخر. و كأن هذه الكلمات من قائد القوة الأعظم في العالم قد تريح أماً سورية ستفقد فلذة كبدها غداً. و كأننا هنا نكرر كلمات ” تشمبرلين” الذي قال يوماً:” إنه خصام في بلد بعيد بين أناس لا نعرفهم.” أين غضبنا؟! أين شيمناً؟! صحيح أن خياراتنا في سورية لم تكن جيدة؛ وهي أقل و أسوأ الآن. و مع ذلك، فلا يعتقدن أحد بأنه يمكننا أن نجلس و لا نفعل شيئاً لحل المشكلة السورية؛ و أننا بلا خيارات؛ و لا يعتقدن أحد أن قيامنا بشيء تجاه سورية يسلتزم عودة لما يشبه إدارة الحرب في العراق. فهذا عذر للتراخي و الخنوع. فالمسألة ليست مسألة خيارات و أمكانيات . أنها مسألة إرادة.
هذه الصور التراجيدية السورية شبحٌ بالنسبة لي, و لا بد أنها أيضاً شبح بالنسبة لزملائي جميعاً و للأمريكين أجمعين. و لكن ما يؤلمني أكثر في هذه الصور الرهيبة من سورية و التي تعرض أمام ناظرنا هو فكرة جلوسنا بلا فعل و استمرارنا بعدم القيام بأي شيء . إنه وخز الضمير. إنها محاكمة لضميرنا وأخلاقنا . فكيف نقتل هذا الضمير و كيف تُنتهك أساسات قوتنا الأخلاقية؟! وكيف سيقف رئيس أمريكي بعد سنوات أمام العالم و أمام السوريين ليقول كما قال رؤوساء سابقون دون أن يكون قد فعل شيئاً تجاه تلك الجرائم؟! سيقف ليقول ( كان بأمكاننا أن نفعل المزيد لوقف عذابات الآخرين) و كان بأمكاننا الاستفادة من القوة التي بحوزتنا رغم محدوديتها؛ كان بأمكاننا أيضاً استخدام الخيارات المتوفرة رغم محدوديتها. و لكن ها نحن نعيش إحراجاً أبدياً بسبب عدم قيامنا بشيء. سيعتذر ذلك الرئيس. اللعنة علينا؛ والخزي والعار مصيرنا، إن جعلنا التاريخ يكرر نفسه.