لماذا لم ترفع الدولتان اللتان تملكان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إصبع الاعتراض على دور للمجلس في اليمن بحجة ان أصابعهما احترقت في ليبيا بسبب التدخل العسكري لحلف «ناتو»، مع ان المسألة اليمنية تفاقمت قبل اندلاع الأزمة السورية؟
التاريخ سيجيب عن هذه الأسئلة وسيحاسب روسيا والصين على ما آلت اليه سورية قياساً الى ما آل اليه اليمن. والتاريخ لن يرحم الولايات المتحدة التي رفعت يديها عن سورية لدرجة سمحت بانتصار النظام والتطرّف معاً على حساب الاعتدال والأبرياء الذين أرادوا كل ما أرادوا عندما خرجوا في التظاهرات قبل ثلاث سنوات هو الإصلاح. ميادين التظاهر والاحتجاج والتغيير والإصلاح في أوكرانيا وفنزويلا وتايلاند وغيرها اتخذت ميدان التحرير في مصر وَصياً لها. مساعي صياغة الدساتير في المنطقة العربية وخارجها تتخذ من انجازات تونس نموذجاً.
تحوُّل اليمن من دولة بسيطة لم تعرف سوى المركزية القاطعة الى دولة مركّبة تقدّر الفيدرالية وتتبناها، بات فكرة يتداولها المفكرون في أكثر من بلد. ليبيا فقط ما زالت عاجزة عن التعافي مع انها الدولة التي تلقت أكبر مساعدة للتخلص من طاغيتها – في مسيرة التغيير العربي. أما سورية فإنها شهادة على سقوط الضمير الى الحضيض – الضمير المحلي والإقليمي والعالمي سقط في سورية.
يُقال الآن ان الرئيس الأميركي باراك أوباما جاهز للاستماع الى نصائح وخيارات استراتيجية بديلة من براغماتيته القاطعة. يقال انه بات واضحاً له ان استراتيجيته التي اعتمدت النأي بالنفس عن المأساة السورية والتنصل منها انما ساهمت في تمكين كل من الجهاديين الجدد ونظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه – روسيا والصين وإيران و «حزب الله». كل من الطرفين، محور التطرف السلفي ومحور التطرف الرباعي الذي يخوض الحرب في سورية، يتهيأ له انه على وشك الانتصار – وهذا ما يبدو وارداً أيضاً في الحسابات الأميركية. لذلك عادت واشنطن مجدداً الى طاولة رسم السياسة.
موسكو وبكين أخذتا علماً، لكن رهانهما هو على الرئيس الأميركي الذي يعتقدان انه لن يحيد عن مسار عدم الانخراط في سورية مهما حصل. طهران، ومعها «حزب الله»، أخذت علماً أيضاً انما رهانها هو على صبرها البعيد المدى وعلى السمعة الأميركية التي تتسم بما يُعرف «هبّة ساخنة وهبّة باردة».
واضح ان واشنطن مستاءة الآن من كيفية ادارة موسكو للملف السوري ومدى استغلالها للمواقف الأميركية لمصلحتها ولمصالح محورها بدلاً من البناء على الشراكة التي انطلقت من الاتفاق على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية بتزامن مع تراجع أوباما عن العد العكسي الى ضربة عسكرية لسورية.
واضح ان ادارة أوباما استنتجت ان المشهد في سورية يشكّل استثماراً سيئاً لها في سياسة الإنهاك المتبادل بل وفشلاً مكلفاً لسياسة النأي بالنفس. بشار الأسد الذي دعاه باراك أوباما الى التنحي ازداد قوة وتمسكاً بالسلطة. «القاعدة» ومشتقاتها من «داعش» الى «جبهة النصرة» فرّخت ونمت وازدادت عزماً على تنفيذ مآربها.
المعارضة المعتدلة ضعفت وباتت تحارب على جبهتين ضد النظام والجهاديين الجدد. روسيا وإيران تفوزان بسورية فيما الولايات المتحدة تتراجع سمعةً وتأثيراً ونفوذاً حتى مع حلفائها.
هذا مشهد ليس ملائماً للمصلحة القومية الأميركية، ففي أفضل الحالات، لا يمكن المدافعين عن الانعزالية الأميركية و «الأوبامية» ان يقولوا ان سياسة التنصّل نجحت في الحفاظ على المصلحة الأميركية البعيدة المدى في الشرق الأوسط، أو في اطار الموازين الدولية. وفي أسوأ الحالات قد يعود الإرهاب الى الولايات المتحدة عبر البوابة السورية.
لذلك عادت ادارة أوباما الى طاولة رسم السياسات وأعادت، عبر الصحافة الأميركية، الحديث عن خيارات عسكرية على نسق أسلحة للمعارضة السورية وفرض حظر جوي بأساليب غير تقليدية.
لا أحد يعتقد ان الرئيس باراك أوباما سينقلب على نفسه ويتدخل عسكرياً في سورية بصورة مباشرة. قد تقوم ادارة أوباما بدرس خيار حظر جوي، لكن الدراسات لن ترتكز الى ايفاد جنود أميركيين الى سورية. هذا أمر مفروغ منه ما لم يبرز تطور مفاجئ فوق العادة. الأرجح ان يكون أي حظر جوي مقنناً في اجراءات غير اعتيادية تكبّل جزءاً من قدرة الطيران السوري على السحق المستمر للمعارضة المعتدلة وللمدنيين والمدن والقرى السورية.
الجديد في الخطاب السياسي للبيت الأبيض هو البدء بالتنسيق الاستخباري العملي مع الدول التي تدعم المعارضة لتقوم بإرسال أسلحة متطورة للمعارضة تشمل صواريخ نقالة على الكتف مضادة للطائرات تشبه «الستنغر» التي ساهمت في تغيير المعادلة العسكرية في حرب أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي.
اجتماع القيادات الاستخبارية السعودية والإماراتية والقطرية والتركية والأميركية في واشنطن أخيراً لبحث توطيد دعم المعارضة، أشار الى تحوّل أميركي ازاء المسألة السورية.
رافقت ذلك اجراءات وتطورات عدة: اقالة سليم ادريس من القيادة العسكرية للمعارضة السورية المسلحة. تصعيد العزم في الأمم المتحدة على اقامة ممرات انسانية من خلال المعونات عبر الحدود. التحدث علناً بلغة اللوم لروسيا على فشل مؤتمر «جنيف – 2» الذي يهدف الى عملية سياسية انتقالية في سورية.
الزيارة المنتظرة للرئيس أوباما الى الرياض أواخر الشهر المقبل تحولت الى محرك مهم في الملف السوري بشقه الأمني المحلي والسياسي الإقليمي. الرياض تبنّت مواقف جديدة أكثر صرامة ضد مواطنيها الذين يشاركون في القتال بجانب المجاهدين الجدد من السلفيين المتطرفين.
أبرز الرسائل هو العزم على الشراكة مع الولايات المتحدة جدياً ونوعياً في الحرب على الإرهاب في سورية بما يقلب الطاولة على البدعة السورية – الروسية في «جنيف – 2» بأن المسألة ليست تشكيل هيئة حكم انتقالي وإنما هي مكافحة الإرهاب.
الرسالة الأخرى موجهة بصورة غير مباشرة الى الاعتدال في إيران، وفحواها ان السياسة السعودية تعتزم قطع الطريق على أي استغلال للمحنة السورية من أجل تأجيج الفتنة السنّية – الشيعية.
هذا لا يعني ترك الساحة مفتوحة للمحور الذي يضم النظام السوري وإيران وروسيا والصين و «حزب الله» لتحقيق المزيد من الإنجازات العسكرية في الميدان، بل العكس. ما يفيد به التحوّل في المواقف الأميركية هو الاستنتاج بأن لا خيار الآن – أمام حشد المحور قدراته لتوطيد نجاحاته العسكرية – سوى التصعيد عسكرياً من أجل فرض الحل السياسي.
الحسابات العسكرية الأميركية، على ما يقوله المعنيون والمطلعون، تتوقع فترة 18 شهراً لإضعاف الأسد بنيوياً – إذا استمرت روسيا في إمداده بالسلاح وإذا استمرت ايران و «حزب الله» بالقتال معه.
واشنطن تحبّذ اقناع روسيا بالتي هي أحسن والتفاهم معها على تغيير جذري في علاقتها بالأسد، إلاّ أنها استنتجت أخيراً أن موسكو تتلاعب بها ولن تتخلى عن الأسد مهما كان.
وجدت واشنطن نفسها فجأة في علاقة تصادمية مع موسكو بعدما كانت غضت النظر. ومن بين الأسباب الرئيسة التطورات في أوكرانيا.
وجدت واشنطن نفسها في حاجة الى الاستفادة من الألعاب الأولمبية كفسحة للضغط على موسكو لإحداث تغيير في سياستها، فصعّدت في الأمم المتحدة كما في التنسيق الاستخباري.
موسكو قررت اتخاذ خطوة الى الوراء ووافقت على الانخراط في التفاوض على مشروع قرار انساني يُفترض التصويت عليه اليوم الجمعة سيكون الأول منذ الفيتو المزدوج مع الصين ثلاث مرات – باستثناء القرار حول تدمير الأسلحة الكيماوية، اذا تم تبنيه وتخطى الفيتو الرابع.
قد تكون الموافقة الروسية على قرار لمجلس الأمن، اذا تحققت فعلاً، خطوة تكتيكية وقد تكون نوعية. الأرجح انها عبارة عن قرار تكتيكي بخسارة معركة من أجل كسب الحرب.
ما قد يُحدِث تحوّلاً نوعياً في المواقف الروسية يتطلب بالتأكيد جدية متماسكة لواشنطن في التحوّل في سياساتها نحو الملف السوري. وهذا يتطلب قراراً واضحاً على مستوى الرئيس الأميركي نفسه وليس فقط على مستوى وزير خارجيته.
العنصر الآخر الضروري في السياسة الأميركية – والسعودية أيضاً – لإحداث تغيير في مواقف موسكو هو الصين.
الصين ساهمت جذرياً في تقوية أيدي روسيا في سورية. اختبأت وراء علاقتها الاستراتيجية بموسكو واختارت ترك القيادة لروسيا في الملف السوري ضاربة بعرض الحائط علاقاتها الاقتصادية مع واشنطن والرياض والمأساة الإنسانية في سورية.
حان الوقت للمصارحة الجدية مع الصين بلغة المصالح وباللغة الاستراتيجية. لم يعد مقبولاً إعفاء بكين من المحاسبة على مواقفها نحو سورية.
الصين وروسيا ساهمتا في تدهور الوضع في سورية وتحويلها الى دولة ممزقة وساحة لاستعادة «القاعدة» ومشتقاتها موقع قدم وقدرة على تهديد استقرار الدول المجاورة.
كلتاهما تركت الحرب على «القاعدة» في اليمن – وقبلها في أفغانستان – للولايات المتحدة لتسدد الكلفة من دون أن تشاركا بها. وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي جعلت الصين وروسيا تقفزان في ملف اليمن على غضبهما من «الإهانة» لهما في ليبيا لتجرّا ذلك الغضب في ملف سورية في مجلس الأمن.
كلتاهما تحفّظت جداً على ما سمي «الربيع العربي» خوفاً من وصول ميدان الاحتجاج والتظاهر وإسقاط الأنظمة الى المدن الروسية والصينية. كلتاهما اتخذت عمداً قرار تمكين الميدان العسكري في سورية انتقاماً منه وحؤولاً دون نمو ميادين التظاهرات.
وصل ميدان التحرير في مصر – وقبله ساحة الشهداء في لبنان في ثورة الأرز – الى كييف وبانكوك وكراكاس. في ميدان كييف عرضوا الفيلم الوثائقي «الميدان» الذي أخرجته جيهان نجيم وأنتجه كريم عامر، مترجماً، ليكون ملهماً للتغيير والقدرة على إسقاط الحاجة الى القادة واستبدالهم بالحاجة الى الضمير.
جيهان نجيم مرشحة لجائزة الأوسكار للفيلم الوثائقي الطويل، وهذا أمر جميل أن تكون المرأة العربية الوحيدة المرشحة في هذه الخانة. الجميل بالمقدار نفسه ان المرشحتين الوحيدتين لكامل أكاديمية الأوسكار للعام 2014 – الاسكوتلندية سارة اسحق هي المرشحة الأخرى للفيلم الوثائقي القصير «كرامه».
فنعم، ان ميادين التغيير والإصلاح والحق بالتظاهر هي التي فازت بثقة الناس. هذا هو الميدان الذي سينتصر على الميدان العسكري، مهما تهيأ لأي كان غير ذلك.
------------
الحياة
التاريخ سيجيب عن هذه الأسئلة وسيحاسب روسيا والصين على ما آلت اليه سورية قياساً الى ما آل اليه اليمن. والتاريخ لن يرحم الولايات المتحدة التي رفعت يديها عن سورية لدرجة سمحت بانتصار النظام والتطرّف معاً على حساب الاعتدال والأبرياء الذين أرادوا كل ما أرادوا عندما خرجوا في التظاهرات قبل ثلاث سنوات هو الإصلاح. ميادين التظاهر والاحتجاج والتغيير والإصلاح في أوكرانيا وفنزويلا وتايلاند وغيرها اتخذت ميدان التحرير في مصر وَصياً لها. مساعي صياغة الدساتير في المنطقة العربية وخارجها تتخذ من انجازات تونس نموذجاً.
تحوُّل اليمن من دولة بسيطة لم تعرف سوى المركزية القاطعة الى دولة مركّبة تقدّر الفيدرالية وتتبناها، بات فكرة يتداولها المفكرون في أكثر من بلد. ليبيا فقط ما زالت عاجزة عن التعافي مع انها الدولة التي تلقت أكبر مساعدة للتخلص من طاغيتها – في مسيرة التغيير العربي. أما سورية فإنها شهادة على سقوط الضمير الى الحضيض – الضمير المحلي والإقليمي والعالمي سقط في سورية.
يُقال الآن ان الرئيس الأميركي باراك أوباما جاهز للاستماع الى نصائح وخيارات استراتيجية بديلة من براغماتيته القاطعة. يقال انه بات واضحاً له ان استراتيجيته التي اعتمدت النأي بالنفس عن المأساة السورية والتنصل منها انما ساهمت في تمكين كل من الجهاديين الجدد ونظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه – روسيا والصين وإيران و «حزب الله». كل من الطرفين، محور التطرف السلفي ومحور التطرف الرباعي الذي يخوض الحرب في سورية، يتهيأ له انه على وشك الانتصار – وهذا ما يبدو وارداً أيضاً في الحسابات الأميركية. لذلك عادت واشنطن مجدداً الى طاولة رسم السياسة.
موسكو وبكين أخذتا علماً، لكن رهانهما هو على الرئيس الأميركي الذي يعتقدان انه لن يحيد عن مسار عدم الانخراط في سورية مهما حصل. طهران، ومعها «حزب الله»، أخذت علماً أيضاً انما رهانها هو على صبرها البعيد المدى وعلى السمعة الأميركية التي تتسم بما يُعرف «هبّة ساخنة وهبّة باردة».
واضح ان واشنطن مستاءة الآن من كيفية ادارة موسكو للملف السوري ومدى استغلالها للمواقف الأميركية لمصلحتها ولمصالح محورها بدلاً من البناء على الشراكة التي انطلقت من الاتفاق على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية بتزامن مع تراجع أوباما عن العد العكسي الى ضربة عسكرية لسورية.
واضح ان ادارة أوباما استنتجت ان المشهد في سورية يشكّل استثماراً سيئاً لها في سياسة الإنهاك المتبادل بل وفشلاً مكلفاً لسياسة النأي بالنفس. بشار الأسد الذي دعاه باراك أوباما الى التنحي ازداد قوة وتمسكاً بالسلطة. «القاعدة» ومشتقاتها من «داعش» الى «جبهة النصرة» فرّخت ونمت وازدادت عزماً على تنفيذ مآربها.
المعارضة المعتدلة ضعفت وباتت تحارب على جبهتين ضد النظام والجهاديين الجدد. روسيا وإيران تفوزان بسورية فيما الولايات المتحدة تتراجع سمعةً وتأثيراً ونفوذاً حتى مع حلفائها.
هذا مشهد ليس ملائماً للمصلحة القومية الأميركية، ففي أفضل الحالات، لا يمكن المدافعين عن الانعزالية الأميركية و «الأوبامية» ان يقولوا ان سياسة التنصّل نجحت في الحفاظ على المصلحة الأميركية البعيدة المدى في الشرق الأوسط، أو في اطار الموازين الدولية. وفي أسوأ الحالات قد يعود الإرهاب الى الولايات المتحدة عبر البوابة السورية.
لذلك عادت ادارة أوباما الى طاولة رسم السياسات وأعادت، عبر الصحافة الأميركية، الحديث عن خيارات عسكرية على نسق أسلحة للمعارضة السورية وفرض حظر جوي بأساليب غير تقليدية.
لا أحد يعتقد ان الرئيس باراك أوباما سينقلب على نفسه ويتدخل عسكرياً في سورية بصورة مباشرة. قد تقوم ادارة أوباما بدرس خيار حظر جوي، لكن الدراسات لن ترتكز الى ايفاد جنود أميركيين الى سورية. هذا أمر مفروغ منه ما لم يبرز تطور مفاجئ فوق العادة. الأرجح ان يكون أي حظر جوي مقنناً في اجراءات غير اعتيادية تكبّل جزءاً من قدرة الطيران السوري على السحق المستمر للمعارضة المعتدلة وللمدنيين والمدن والقرى السورية.
الجديد في الخطاب السياسي للبيت الأبيض هو البدء بالتنسيق الاستخباري العملي مع الدول التي تدعم المعارضة لتقوم بإرسال أسلحة متطورة للمعارضة تشمل صواريخ نقالة على الكتف مضادة للطائرات تشبه «الستنغر» التي ساهمت في تغيير المعادلة العسكرية في حرب أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي.
اجتماع القيادات الاستخبارية السعودية والإماراتية والقطرية والتركية والأميركية في واشنطن أخيراً لبحث توطيد دعم المعارضة، أشار الى تحوّل أميركي ازاء المسألة السورية.
رافقت ذلك اجراءات وتطورات عدة: اقالة سليم ادريس من القيادة العسكرية للمعارضة السورية المسلحة. تصعيد العزم في الأمم المتحدة على اقامة ممرات انسانية من خلال المعونات عبر الحدود. التحدث علناً بلغة اللوم لروسيا على فشل مؤتمر «جنيف – 2» الذي يهدف الى عملية سياسية انتقالية في سورية.
الزيارة المنتظرة للرئيس أوباما الى الرياض أواخر الشهر المقبل تحولت الى محرك مهم في الملف السوري بشقه الأمني المحلي والسياسي الإقليمي. الرياض تبنّت مواقف جديدة أكثر صرامة ضد مواطنيها الذين يشاركون في القتال بجانب المجاهدين الجدد من السلفيين المتطرفين.
أبرز الرسائل هو العزم على الشراكة مع الولايات المتحدة جدياً ونوعياً في الحرب على الإرهاب في سورية بما يقلب الطاولة على البدعة السورية – الروسية في «جنيف – 2» بأن المسألة ليست تشكيل هيئة حكم انتقالي وإنما هي مكافحة الإرهاب.
الرسالة الأخرى موجهة بصورة غير مباشرة الى الاعتدال في إيران، وفحواها ان السياسة السعودية تعتزم قطع الطريق على أي استغلال للمحنة السورية من أجل تأجيج الفتنة السنّية – الشيعية.
هذا لا يعني ترك الساحة مفتوحة للمحور الذي يضم النظام السوري وإيران وروسيا والصين و «حزب الله» لتحقيق المزيد من الإنجازات العسكرية في الميدان، بل العكس. ما يفيد به التحوّل في المواقف الأميركية هو الاستنتاج بأن لا خيار الآن – أمام حشد المحور قدراته لتوطيد نجاحاته العسكرية – سوى التصعيد عسكرياً من أجل فرض الحل السياسي.
الحسابات العسكرية الأميركية، على ما يقوله المعنيون والمطلعون، تتوقع فترة 18 شهراً لإضعاف الأسد بنيوياً – إذا استمرت روسيا في إمداده بالسلاح وإذا استمرت ايران و «حزب الله» بالقتال معه.
واشنطن تحبّذ اقناع روسيا بالتي هي أحسن والتفاهم معها على تغيير جذري في علاقتها بالأسد، إلاّ أنها استنتجت أخيراً أن موسكو تتلاعب بها ولن تتخلى عن الأسد مهما كان.
وجدت واشنطن نفسها فجأة في علاقة تصادمية مع موسكو بعدما كانت غضت النظر. ومن بين الأسباب الرئيسة التطورات في أوكرانيا.
وجدت واشنطن نفسها في حاجة الى الاستفادة من الألعاب الأولمبية كفسحة للضغط على موسكو لإحداث تغيير في سياستها، فصعّدت في الأمم المتحدة كما في التنسيق الاستخباري.
موسكو قررت اتخاذ خطوة الى الوراء ووافقت على الانخراط في التفاوض على مشروع قرار انساني يُفترض التصويت عليه اليوم الجمعة سيكون الأول منذ الفيتو المزدوج مع الصين ثلاث مرات – باستثناء القرار حول تدمير الأسلحة الكيماوية، اذا تم تبنيه وتخطى الفيتو الرابع.
قد تكون الموافقة الروسية على قرار لمجلس الأمن، اذا تحققت فعلاً، خطوة تكتيكية وقد تكون نوعية. الأرجح انها عبارة عن قرار تكتيكي بخسارة معركة من أجل كسب الحرب.
ما قد يُحدِث تحوّلاً نوعياً في المواقف الروسية يتطلب بالتأكيد جدية متماسكة لواشنطن في التحوّل في سياساتها نحو الملف السوري. وهذا يتطلب قراراً واضحاً على مستوى الرئيس الأميركي نفسه وليس فقط على مستوى وزير خارجيته.
العنصر الآخر الضروري في السياسة الأميركية – والسعودية أيضاً – لإحداث تغيير في مواقف موسكو هو الصين.
الصين ساهمت جذرياً في تقوية أيدي روسيا في سورية. اختبأت وراء علاقتها الاستراتيجية بموسكو واختارت ترك القيادة لروسيا في الملف السوري ضاربة بعرض الحائط علاقاتها الاقتصادية مع واشنطن والرياض والمأساة الإنسانية في سورية.
حان الوقت للمصارحة الجدية مع الصين بلغة المصالح وباللغة الاستراتيجية. لم يعد مقبولاً إعفاء بكين من المحاسبة على مواقفها نحو سورية.
الصين وروسيا ساهمتا في تدهور الوضع في سورية وتحويلها الى دولة ممزقة وساحة لاستعادة «القاعدة» ومشتقاتها موقع قدم وقدرة على تهديد استقرار الدول المجاورة.
كلتاهما تركت الحرب على «القاعدة» في اليمن – وقبلها في أفغانستان – للولايات المتحدة لتسدد الكلفة من دون أن تشاركا بها. وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي جعلت الصين وروسيا تقفزان في ملف اليمن على غضبهما من «الإهانة» لهما في ليبيا لتجرّا ذلك الغضب في ملف سورية في مجلس الأمن.
كلتاهما تحفّظت جداً على ما سمي «الربيع العربي» خوفاً من وصول ميدان الاحتجاج والتظاهر وإسقاط الأنظمة الى المدن الروسية والصينية. كلتاهما اتخذت عمداً قرار تمكين الميدان العسكري في سورية انتقاماً منه وحؤولاً دون نمو ميادين التظاهرات.
وصل ميدان التحرير في مصر – وقبله ساحة الشهداء في لبنان في ثورة الأرز – الى كييف وبانكوك وكراكاس. في ميدان كييف عرضوا الفيلم الوثائقي «الميدان» الذي أخرجته جيهان نجيم وأنتجه كريم عامر، مترجماً، ليكون ملهماً للتغيير والقدرة على إسقاط الحاجة الى القادة واستبدالهم بالحاجة الى الضمير.
جيهان نجيم مرشحة لجائزة الأوسكار للفيلم الوثائقي الطويل، وهذا أمر جميل أن تكون المرأة العربية الوحيدة المرشحة في هذه الخانة. الجميل بالمقدار نفسه ان المرشحتين الوحيدتين لكامل أكاديمية الأوسكار للعام 2014 – الاسكوتلندية سارة اسحق هي المرشحة الأخرى للفيلم الوثائقي القصير «كرامه».
فنعم، ان ميادين التغيير والإصلاح والحق بالتظاهر هي التي فازت بثقة الناس. هذا هو الميدان الذي سينتصر على الميدان العسكري، مهما تهيأ لأي كان غير ذلك.
------------
الحياة