الأولى: الحسابات الخاطئة لدى النظام. إذ اعتقد حين قامت الثورة أنها ليست إلا زوبعة في فنجان، وسيقمعها كما قمع انتفاضة مدينة حماة ضده عام 1982، معتداً بجيوشه وأجهزته الأمنية، ومتكئاً على خبرات الصديق الإيراني، الذي أخمد الثورة التي اندلعت ضد تزوير الانتخابات عام 2009 في إيران. لم يكن بشار الأسد يدرك كنه الشعب السوري الأبي البطل، وغاب عنه أن هذا الشعب لا يركع إلا لله مهما قدم من تضحيات. ولم يقدّر أن الشعب كان يتحين أي فرصة لإسقاطه، بسبب ظلمه وأبيه أربعة عقود.
الثانية: المعارضة السياسية، فمعظم شخصياتها من القوميين والشيوعيين والوحدويين، وأضرابهم وأترابهم، الذين كانوا الحديقة الخلفية لحزب البعث، تركهم حافظ الأسد خصيصاً ليتكئ عليهم بأن نظامه ليس ديكتاتوريا صرفاً. بعد اندلاع الثورة بأشهر عدة بدأت حفنة من تلك الشخصيات العلمانية ترفع عقيرتها، مطالبة النظام بالإصلاح، كان معظمهم ينادي بسلمية الثورة، ظناً منهم أن المظاهرات والهتافات والرقصات والدبكات والتحدث عبر الفضائيات هي التي ستسقط مثل هذا النظام الوحشي والدموي. وغالبيتهم إما أنه كان يعيش في الخارج، أو فر إلى الخارج، كما أنه لا غرو أن من أسباب إطالة أمد الثورة التأسيس الاعتباطي والعشوائي للمجلس الوطني، بناءً على المحاصصة والمحسوبيات من جماعة الإخوان المسلمون، كان همه الوحيد التسول على أبواب بعض الدول العربية والغربية؛ للاعتراف به ممثلاً شرعياً للشعب السوري، التي اعتقد بأنها ستكون أولى خطوات الصعود إلى درجات السلطة. أصر على سلمية الثورة طوال تسعة أشهر، واستبعد جهود وتضحيات المقاتلين على الأرض، وهو ما أدى إلى شرخ كبير بينه وبينهم. جاء بعده الإعلان عن تأسيس هيئة سياسية باسم الائتلاف الوطني، الذي لم يكن إلا تغيير طرابيش المجلس الإخواني، مطعماً ببعض الأعضاء من ذوي التوجه العلماني، الذين لا ناقة لهم في الثورة ولا جمل. ديدنهم التهافت على الكراسي ما بعد سقوط النظام. متجاهلين جميعاً أن الشعب يُذبَح في الداخل. مكتفين بالتصريحات الغربية التي تكرر منذ عامين بأن الائتلاف هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري؛ لإرضاء غرور أعضائه. علماً أن الغرب لا يعترف بسفارتهم والجوازات التي تصدر عنهم رسمياً. بل لم يمنحوا مقعد سورية في الجامعة العربية، فبات الشرخ واضحاً كالشمس بين الشعب وبين الائتلاف، بل إن نسبة المعارضين للائتلاف من المناوئين للنظام باتت أضعاف نسبة المعارضين للنظام نفسه. فالشعب الفقير المشرد حين يتابع أولاء الذين يقيمون في فنادق خمس نجوم، ولا يدخلون إلى الأراضي الحدودية إلا لسويعات قليلة لالتقاط الصور يدرك أنهم لا يعيشون آلامه ومعاناته. هذا فضلاً عن انتشار رائحة فضائح الفساد والاختلاس من أموال المساعدات للشعب التي زكمت الأنوف. وفي هذا المضمار من حساباتهم الخاطئة أيضاً لهاثهم وراء سراب الغرب، وتملق بعضهم لأميركا؛ أملاً في دخول دمشق على دبابة أميركية. والتصريحات المتتالية على نحو مستفز لمشاعر أهل السنّة بأن محاربة من يرفع شعارات إسلامية ستكون أولوية لهم قبل إسقاط النظام.
الثالثة: حسابات الغرب الخاطئة، حين ظن أن عملية تغيير النظام ستكون سهلة، مثلما حصل في بقية دول «الربيع العربي». وأنه قادر على أن ينفض الغبار عن أحد العلمانيين المرضي عنهم آيديولوجياً، ويلمعه عبر القنوات الفضائية، ليتسنم السلطة. لم يحسب الغرب حساب مليونين من الطائفة العلوية موالين للنظام. ولم يخطر في باله أن هذا النظام الوحشي يمكن أن يقصف شعبه بالصواريخ الكيماوية، ليبقى في السلطة. نظام قمعي بامتياز، يتبنى مختلف أساليب القهر والبطش والتنكيل. لم يحسب الغرب حساب أن النظام لديه أجهزة قمع لا نظير لها في أي بلد في العالم، منها: الجيش الرسمي بفرقه العشرة، والوحدات الخاصة، والشرطة المدنية، والمباحث العامة، والشرطة العسكرية، والأمن الخارجي، والأمن الداخلي، وأمن الدولة، والمخابرات العامة، والأمن العسكري، والأمن السياسي، ومخابرات القوى الجوية، وأمن الرئاسة أو الحرس الجمهوري، وفرع التحقيق العسكري، وفرع فلسطين المختص بالفلسطينيين. ولكل جهاز أمني في العاصمة دمشق فروع في جميع المحافظات. وبجانب هذا العدد الكبير من الأجهزة الأمنية هناك أجهزة مدنية مساعدة للأجهزة الاستخباراتية، منها: جهاز حزب البعث المنتشر في كل مدينة وقرية، وشبيبة الثورة التي من مهامها مراقبة طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية، واتحاد الطلبة في الجامعات، الذي مهمته مراقبة تحركات أساتذة الجامعات والطلاب داخل الجامعة، واتحاد نقابة العمال الذي مهمته مراقبة العمال. ثم ظهر أخيراً مصطلح جديد اسمه «الشبيحة»، الذي يتكون من مجموعة مختلطة من بقايا عناصر مما كان يسمى «سرايا الدفاع»، ومن عناصر من أجهزة الأمن بأشكالها المختلفة، الذين فُصِلوا بسبب سوء سلوكهم، وبعض المجرمين من مرتادي السجون من طائفة معينة. هذا كله، إضافة إلى شيعة أهل الأرض برمتها، التي دخلت لتدافع عن النظام. كيف سينصاع الذين يترأسون المناصب المهمة السيادية والعسكرية الحساسة، مثل: قيادة الفرق والألوية العسكرية، وأجهزة الأمن بأشكالها المختلفة كافة؟ ورؤساء أجهزة المخابرات الأربعة: العسكرية، والسياسية، والجوية، والمخابرات العامة، وأيضاً ضباط وأفراد الحرس الجمهوري. ولا يخلو مرفق من المرافق في مناحي الحياة السياسية والاجتماعية إلا وتكون الكلمة الأخيرة لمن ينتسب إلى هذه الطائفة. لنكن واقعيين، الطائفة العلوية برمتها مؤيدة لعائلة الأسد إلى درجة أنهم يسجدون لصورته. هذا فضلاً عن تأييد غالبية الأقليات الأخرى للنظام. فكيف سينصاع كل هؤلاء لثلة من شخصيات المعارضة السياسية في الخارج ليس لها أي قاعدة شعبية، أو قوة عسكرية؟
الرابعة: حسابات أصحاب الرايات الإسلامية الخاطئة. ففي بداية الثورة السورية رفع المجاهدون، سواء السوريون منهم أم المهاجرون فيها، راية (الله أكبر). لم يكن الشعب، آنذاك، يميز بين مجاهد وآخر. أما الآن فقد تشظى المجاهدون إلى ألوية وكتائب متباينة ومتناحرة عدة، ونسوا السبب الذي قامت الثورة لأجله. وبات أصحاب الرايات يتقاتلون في ما بينهم في معارك طاحنة لم نسمع عنها إلا في وقائع معركتي الجمل وصفين. من ناحية أخرى ظن أصحاب تلك الرايات أنه يمكنهم إقناع شعب عاش نصف قرن في ظل القومية والاشتراكية، والشيوعية والإلحاد، بنظرية إقامة دولة خلافة إسلامية خلال أشهر، ولم يفهموا طبيعة الشعب السوري، وهو ما نتج منه نفور الكثير من الشعب منهم، واصطدموا مع أصحاب التوجهات العلمانية في الثورة، مثلما ارتطم بأهداف الغرب المعادي للإسلام على العموم.
----------------
الحياة
الثانية: المعارضة السياسية، فمعظم شخصياتها من القوميين والشيوعيين والوحدويين، وأضرابهم وأترابهم، الذين كانوا الحديقة الخلفية لحزب البعث، تركهم حافظ الأسد خصيصاً ليتكئ عليهم بأن نظامه ليس ديكتاتوريا صرفاً. بعد اندلاع الثورة بأشهر عدة بدأت حفنة من تلك الشخصيات العلمانية ترفع عقيرتها، مطالبة النظام بالإصلاح، كان معظمهم ينادي بسلمية الثورة، ظناً منهم أن المظاهرات والهتافات والرقصات والدبكات والتحدث عبر الفضائيات هي التي ستسقط مثل هذا النظام الوحشي والدموي. وغالبيتهم إما أنه كان يعيش في الخارج، أو فر إلى الخارج، كما أنه لا غرو أن من أسباب إطالة أمد الثورة التأسيس الاعتباطي والعشوائي للمجلس الوطني، بناءً على المحاصصة والمحسوبيات من جماعة الإخوان المسلمون، كان همه الوحيد التسول على أبواب بعض الدول العربية والغربية؛ للاعتراف به ممثلاً شرعياً للشعب السوري، التي اعتقد بأنها ستكون أولى خطوات الصعود إلى درجات السلطة. أصر على سلمية الثورة طوال تسعة أشهر، واستبعد جهود وتضحيات المقاتلين على الأرض، وهو ما أدى إلى شرخ كبير بينه وبينهم. جاء بعده الإعلان عن تأسيس هيئة سياسية باسم الائتلاف الوطني، الذي لم يكن إلا تغيير طرابيش المجلس الإخواني، مطعماً ببعض الأعضاء من ذوي التوجه العلماني، الذين لا ناقة لهم في الثورة ولا جمل. ديدنهم التهافت على الكراسي ما بعد سقوط النظام. متجاهلين جميعاً أن الشعب يُذبَح في الداخل. مكتفين بالتصريحات الغربية التي تكرر منذ عامين بأن الائتلاف هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري؛ لإرضاء غرور أعضائه. علماً أن الغرب لا يعترف بسفارتهم والجوازات التي تصدر عنهم رسمياً. بل لم يمنحوا مقعد سورية في الجامعة العربية، فبات الشرخ واضحاً كالشمس بين الشعب وبين الائتلاف، بل إن نسبة المعارضين للائتلاف من المناوئين للنظام باتت أضعاف نسبة المعارضين للنظام نفسه. فالشعب الفقير المشرد حين يتابع أولاء الذين يقيمون في فنادق خمس نجوم، ولا يدخلون إلى الأراضي الحدودية إلا لسويعات قليلة لالتقاط الصور يدرك أنهم لا يعيشون آلامه ومعاناته. هذا فضلاً عن انتشار رائحة فضائح الفساد والاختلاس من أموال المساعدات للشعب التي زكمت الأنوف. وفي هذا المضمار من حساباتهم الخاطئة أيضاً لهاثهم وراء سراب الغرب، وتملق بعضهم لأميركا؛ أملاً في دخول دمشق على دبابة أميركية. والتصريحات المتتالية على نحو مستفز لمشاعر أهل السنّة بأن محاربة من يرفع شعارات إسلامية ستكون أولوية لهم قبل إسقاط النظام.
الثالثة: حسابات الغرب الخاطئة، حين ظن أن عملية تغيير النظام ستكون سهلة، مثلما حصل في بقية دول «الربيع العربي». وأنه قادر على أن ينفض الغبار عن أحد العلمانيين المرضي عنهم آيديولوجياً، ويلمعه عبر القنوات الفضائية، ليتسنم السلطة. لم يحسب الغرب حساب مليونين من الطائفة العلوية موالين للنظام. ولم يخطر في باله أن هذا النظام الوحشي يمكن أن يقصف شعبه بالصواريخ الكيماوية، ليبقى في السلطة. نظام قمعي بامتياز، يتبنى مختلف أساليب القهر والبطش والتنكيل. لم يحسب الغرب حساب أن النظام لديه أجهزة قمع لا نظير لها في أي بلد في العالم، منها: الجيش الرسمي بفرقه العشرة، والوحدات الخاصة، والشرطة المدنية، والمباحث العامة، والشرطة العسكرية، والأمن الخارجي، والأمن الداخلي، وأمن الدولة، والمخابرات العامة، والأمن العسكري، والأمن السياسي، ومخابرات القوى الجوية، وأمن الرئاسة أو الحرس الجمهوري، وفرع التحقيق العسكري، وفرع فلسطين المختص بالفلسطينيين. ولكل جهاز أمني في العاصمة دمشق فروع في جميع المحافظات. وبجانب هذا العدد الكبير من الأجهزة الأمنية هناك أجهزة مدنية مساعدة للأجهزة الاستخباراتية، منها: جهاز حزب البعث المنتشر في كل مدينة وقرية، وشبيبة الثورة التي من مهامها مراقبة طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية، واتحاد الطلبة في الجامعات، الذي مهمته مراقبة تحركات أساتذة الجامعات والطلاب داخل الجامعة، واتحاد نقابة العمال الذي مهمته مراقبة العمال. ثم ظهر أخيراً مصطلح جديد اسمه «الشبيحة»، الذي يتكون من مجموعة مختلطة من بقايا عناصر مما كان يسمى «سرايا الدفاع»، ومن عناصر من أجهزة الأمن بأشكالها المختلفة، الذين فُصِلوا بسبب سوء سلوكهم، وبعض المجرمين من مرتادي السجون من طائفة معينة. هذا كله، إضافة إلى شيعة أهل الأرض برمتها، التي دخلت لتدافع عن النظام. كيف سينصاع الذين يترأسون المناصب المهمة السيادية والعسكرية الحساسة، مثل: قيادة الفرق والألوية العسكرية، وأجهزة الأمن بأشكالها المختلفة كافة؟ ورؤساء أجهزة المخابرات الأربعة: العسكرية، والسياسية، والجوية، والمخابرات العامة، وأيضاً ضباط وأفراد الحرس الجمهوري. ولا يخلو مرفق من المرافق في مناحي الحياة السياسية والاجتماعية إلا وتكون الكلمة الأخيرة لمن ينتسب إلى هذه الطائفة. لنكن واقعيين، الطائفة العلوية برمتها مؤيدة لعائلة الأسد إلى درجة أنهم يسجدون لصورته. هذا فضلاً عن تأييد غالبية الأقليات الأخرى للنظام. فكيف سينصاع كل هؤلاء لثلة من شخصيات المعارضة السياسية في الخارج ليس لها أي قاعدة شعبية، أو قوة عسكرية؟
الرابعة: حسابات أصحاب الرايات الإسلامية الخاطئة. ففي بداية الثورة السورية رفع المجاهدون، سواء السوريون منهم أم المهاجرون فيها، راية (الله أكبر). لم يكن الشعب، آنذاك، يميز بين مجاهد وآخر. أما الآن فقد تشظى المجاهدون إلى ألوية وكتائب متباينة ومتناحرة عدة، ونسوا السبب الذي قامت الثورة لأجله. وبات أصحاب الرايات يتقاتلون في ما بينهم في معارك طاحنة لم نسمع عنها إلا في وقائع معركتي الجمل وصفين. من ناحية أخرى ظن أصحاب تلك الرايات أنه يمكنهم إقناع شعب عاش نصف قرن في ظل القومية والاشتراكية، والشيوعية والإلحاد، بنظرية إقامة دولة خلافة إسلامية خلال أشهر، ولم يفهموا طبيعة الشعب السوري، وهو ما نتج منه نفور الكثير من الشعب منهم، واصطدموا مع أصحاب التوجهات العلمانية في الثورة، مثلما ارتطم بأهداف الغرب المعادي للإسلام على العموم.
----------------
الحياة