تركيا إردوغان التي ترددت في الحسم الباكر مع نظام بشار. ولجمه عن استخدام القوة، تعيش أزمة اقتصادية حادة. فقد تعطلت تجارة الترانزيت الرابحة مع الخليج عبر سوريا. وانقسم التيار الإسلامي فيها إلى تيارين: تيار إردوغان. وتيار الإسلام التركي/ الأميركي الذي يتزعمه خصمه فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة. وتعالى صراخ اليسار العلماني، والعلوي التركي ضد نظام إردوغان الذي تورط بالنحيب، على سقوط حليفه النظام الإخواني في مصر. وكان الرد تجميد مصر علاقتها الدبلوماسية مع تركيا.
في مصر، حسم الجيش الصراع الثقافي، عندما أزاح قبل سبعة شهور النظام الإخواني الذي بدا عداؤه واضحا للثقافة الليبرالية وللتعددية السياسية والإعلامية. وللقضاء. والإدارة البيروقراطية. وقوى الشرطة والأمن التي رفضت حمايته. غير أن النظام الانتقالي الذي يدعمه جيش السيسي لم يستطع حسم المعركة الأمنية مع الإخوان.
كان السيسي حريصا على عدم مس الإيمان الديني. فكسب تأييد الشارع الشعبي المتدين، والرافض للإخوان الذين عجزوا عن تأمين خبزه اليومي. واستقراره السياسي. وأمنه الحياتي في مدنه. وريفه. وفي ظاهرة عالمية وعربية نادرة، فالشارع المصري يقاتل اليوم، بأرواح ودماء بنيه، جنبا إلى جنب مع قوى الشرطة. والأمن. والجيش «الجهادية» الإخوانية. سبق لي أن قلت وكررت أن مصر يسهل حكمها. وتصعب إدارتها. وهكذا، يجري اليوم بيسر وسهولة تأهيل «العسكري الرابع» لحكم مصر، عبر نُظُم. ومراسيم. وقوانين. وإجراءات، يحرص النظام الانتقالي، من خلالها على البرهنة، على ديمقراطية النظام المقبل، على الرغم من بعض الشكوك. شعبية السيسي الواسعة تكاد تضمن تأييد وولاء الشخصيات السياسية المستقلة، وأحزاب «جبهة الإنقاذ» الليبرالية، لترشيحه، بما في ذلك الشخصيات التي تفكر بالترشح للمنصب. حمدين صباحي الذي ترك، خطأ، أنصار حزبه الناصري (خمسة ملايين صوت) يصوِّتون لترئيس الإخواني محمد مرسي، لم يحسم بعد قضية ترشيحه. فهو يريد توفير أغلبية ساحقة للسيسي، ضد المرشح (الإخواني) المستقل عبد المنعم أبو الفتوح. أو أحمد شفيق المرشح المفضل لدى أنصار الرئيس الأسبق حسني مبارك. أو الاشتراكي المعتدل عمرو موسى. هل يمكن حياكة دور عربي «للرئيس» السيسي؟ السؤال يبدو بسيطا. وسابقا لأوانه، باعتبار أن النظام الانتقالي المؤقت لم يحسم، بعد، كل متاعبه الداخلية. وفي مقدمتها، المواجهة مع «الإخوان». الدلائل تشير إلى تورطهم في العنف والإرهاب، مع حماس في سيناء، وتنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي نقل نشاطه «الجهادي» إلى القاهرة. والدلتا. وعمق الريف المصري. لكن مراجعة لتاريخ «تعريب» مصر، منذ ولادة الناصرية (1952) تجعل الإجابة عن السؤال شديدة التعقيد. ومن حسن حظ السيسي، أن حزب حمدين صباحي الناصري ليس له امتداد عربي. وناصريته ليس لها بعد قومي تثير ريبة النظام العربي. فهي «مصرية أولاً»، تماما كمصرية السيسي التي باتت هوية لتحركه السياسي. لا بد، إذن، من دور عربي للسيسي يختلف عن الدور الذي لعبته الناصرية. الدبلوماسية الشعبية التي اعتمدها الراحل عبد الناصر أثارت غضب النظام العربي. فقد تجاوزت شرعيته، وصولا إلى شارعه الشعبي. ثم أدى اعتناق النظام الناصري الاشتراكية الماركسية، إلى إثارة الغضب الأميركي، في ستينات الحرب الباردة. فكان اللجوء إلى نظام البعث الطائفي (صلاح جديد وحافظ الأسد)، لتوريط عبد الناصر، المتورط أصلا في حرب اليمن، في مواجهة مع إسرائيل لم يكن مستعدا لها. تسامحت السعودية المتضررة الأولى من عداء الناصرية للنظام الخليجي. فأنقذ العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز مصر الناصرية، في قمة اللاءات الثلاث (1967). ثم دعم مصر الساداتية، في اتفاقات فك الاشتباك، بعد حرب أكتوبر (1973). غير أن ديماغوجية السادات ابتعدت بمصر عن العرب. واقتربت من إسرائيل، في صلح الكامب. ثم سقطت صريعة حلفها المهزوز مع «الإخوان» والإسلام «الجهادي».
رحبت السعودية والنظام الخليجي بإفراج نظام الرئيس مبارك عن الطبقة السياسية العريضة التي اعتقلها الرئيس السادات. كما رحبت بعودته إلى العرب. ودعمته في استعادة الجامعة العربية. امتنع مبارك عن التدخل في الشارع الشعبي العربي. وأقام صداقة شخصية وثيقة مع القيادات الخليجية، وفرت العمل والإقامة لمئات ألوف المصريين، ومكنت مصر من الحصول على مساعدات سعودية وخليجية متتابعة. في غياب مصر وأزماتها الداخلية المتلاحقة، انتقل مركز الثقل السياسي والمادي العربي إلى السعودية. غير أن النظام الخليجي، عموما، لم يكن مستريحا، لاستيلاء «الإخوان» على الانتفاضة المصرية، وتغييب دور مصر العربي. وباتت استعادة هذا الدور ضرورة قومية وخليجية، لمواجهة حلف النظام الإيراني مع النظام السوري، وامتداده إلى لبنان، لدعم حزب الله المتدخل في سوريا ضد السنة، والمعادي أيضا للسنة اللبنانية القريبة من السعودية. وهكذا أيضا، لم يكن غريبا أن تتحمل السعودية أعباء التصدي للتدخل الإقليمي والدولي في المشرق العربي، ولمساوئ التسلل «الجهادي» إلى سوريا ولبنان. وكان دعمها للجيش اللبناني (بثلاثة مليارات دولار)، بمثابة دعم للنظام الديمقراطي اللبناني، وتأكيدها لرفض الفوضى «الجهادية» في سوريا ولبنان. الأدب الدبلوماسي والسياسي السعودي يخجل من ممارسة الدعاية الإعلامية، تجنبا للمهاترات العلنية مع دول، كإيران، تبالغ في دعايتها الإعلامية. فمثلا، لم تقطع السعودية علاقة الوصل والاتصال مع الجارة إيران، على الرغم من التباين الشديد في السياسة الخارجية والعربية لكل منهما. اللقاء السعودي/ المصري الصريح والواضح ينقذ الشارع السني العربي، من هذا الضياع السياسي المخزي الذي يدفع حفنة من اللاجئين السوريين، إلى الغدر بأدب الضيافة المصرية، والرقص مع «الإخوان»، من دون فهم وإدراك لوقوف القيادة الإخوانية أمام العدالة، متهمةً بالسعي للتحالف مع إيران. وتركيا. وحزب الله. وحماس، ضد مصر والأمة العربية. وإذا كان من عذر لهذا الضياع السوري المخجل، فهو كونه ضحية لثقافة التجهيل بعروبة سوريا التي مارسها نظام طائفي، على مدى خمسين سنة، ونشر خلالها ثقافة المقاومة الكاذبة والممانعة الزائفة.
------------------
الشرق الاوسط
في مصر، حسم الجيش الصراع الثقافي، عندما أزاح قبل سبعة شهور النظام الإخواني الذي بدا عداؤه واضحا للثقافة الليبرالية وللتعددية السياسية والإعلامية. وللقضاء. والإدارة البيروقراطية. وقوى الشرطة والأمن التي رفضت حمايته. غير أن النظام الانتقالي الذي يدعمه جيش السيسي لم يستطع حسم المعركة الأمنية مع الإخوان.
كان السيسي حريصا على عدم مس الإيمان الديني. فكسب تأييد الشارع الشعبي المتدين، والرافض للإخوان الذين عجزوا عن تأمين خبزه اليومي. واستقراره السياسي. وأمنه الحياتي في مدنه. وريفه. وفي ظاهرة عالمية وعربية نادرة، فالشارع المصري يقاتل اليوم، بأرواح ودماء بنيه، جنبا إلى جنب مع قوى الشرطة. والأمن. والجيش «الجهادية» الإخوانية. سبق لي أن قلت وكررت أن مصر يسهل حكمها. وتصعب إدارتها. وهكذا، يجري اليوم بيسر وسهولة تأهيل «العسكري الرابع» لحكم مصر، عبر نُظُم. ومراسيم. وقوانين. وإجراءات، يحرص النظام الانتقالي، من خلالها على البرهنة، على ديمقراطية النظام المقبل، على الرغم من بعض الشكوك. شعبية السيسي الواسعة تكاد تضمن تأييد وولاء الشخصيات السياسية المستقلة، وأحزاب «جبهة الإنقاذ» الليبرالية، لترشيحه، بما في ذلك الشخصيات التي تفكر بالترشح للمنصب. حمدين صباحي الذي ترك، خطأ، أنصار حزبه الناصري (خمسة ملايين صوت) يصوِّتون لترئيس الإخواني محمد مرسي، لم يحسم بعد قضية ترشيحه. فهو يريد توفير أغلبية ساحقة للسيسي، ضد المرشح (الإخواني) المستقل عبد المنعم أبو الفتوح. أو أحمد شفيق المرشح المفضل لدى أنصار الرئيس الأسبق حسني مبارك. أو الاشتراكي المعتدل عمرو موسى. هل يمكن حياكة دور عربي «للرئيس» السيسي؟ السؤال يبدو بسيطا. وسابقا لأوانه، باعتبار أن النظام الانتقالي المؤقت لم يحسم، بعد، كل متاعبه الداخلية. وفي مقدمتها، المواجهة مع «الإخوان». الدلائل تشير إلى تورطهم في العنف والإرهاب، مع حماس في سيناء، وتنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي نقل نشاطه «الجهادي» إلى القاهرة. والدلتا. وعمق الريف المصري. لكن مراجعة لتاريخ «تعريب» مصر، منذ ولادة الناصرية (1952) تجعل الإجابة عن السؤال شديدة التعقيد. ومن حسن حظ السيسي، أن حزب حمدين صباحي الناصري ليس له امتداد عربي. وناصريته ليس لها بعد قومي تثير ريبة النظام العربي. فهي «مصرية أولاً»، تماما كمصرية السيسي التي باتت هوية لتحركه السياسي. لا بد، إذن، من دور عربي للسيسي يختلف عن الدور الذي لعبته الناصرية. الدبلوماسية الشعبية التي اعتمدها الراحل عبد الناصر أثارت غضب النظام العربي. فقد تجاوزت شرعيته، وصولا إلى شارعه الشعبي. ثم أدى اعتناق النظام الناصري الاشتراكية الماركسية، إلى إثارة الغضب الأميركي، في ستينات الحرب الباردة. فكان اللجوء إلى نظام البعث الطائفي (صلاح جديد وحافظ الأسد)، لتوريط عبد الناصر، المتورط أصلا في حرب اليمن، في مواجهة مع إسرائيل لم يكن مستعدا لها. تسامحت السعودية المتضررة الأولى من عداء الناصرية للنظام الخليجي. فأنقذ العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز مصر الناصرية، في قمة اللاءات الثلاث (1967). ثم دعم مصر الساداتية، في اتفاقات فك الاشتباك، بعد حرب أكتوبر (1973). غير أن ديماغوجية السادات ابتعدت بمصر عن العرب. واقتربت من إسرائيل، في صلح الكامب. ثم سقطت صريعة حلفها المهزوز مع «الإخوان» والإسلام «الجهادي».
رحبت السعودية والنظام الخليجي بإفراج نظام الرئيس مبارك عن الطبقة السياسية العريضة التي اعتقلها الرئيس السادات. كما رحبت بعودته إلى العرب. ودعمته في استعادة الجامعة العربية. امتنع مبارك عن التدخل في الشارع الشعبي العربي. وأقام صداقة شخصية وثيقة مع القيادات الخليجية، وفرت العمل والإقامة لمئات ألوف المصريين، ومكنت مصر من الحصول على مساعدات سعودية وخليجية متتابعة. في غياب مصر وأزماتها الداخلية المتلاحقة، انتقل مركز الثقل السياسي والمادي العربي إلى السعودية. غير أن النظام الخليجي، عموما، لم يكن مستريحا، لاستيلاء «الإخوان» على الانتفاضة المصرية، وتغييب دور مصر العربي. وباتت استعادة هذا الدور ضرورة قومية وخليجية، لمواجهة حلف النظام الإيراني مع النظام السوري، وامتداده إلى لبنان، لدعم حزب الله المتدخل في سوريا ضد السنة، والمعادي أيضا للسنة اللبنانية القريبة من السعودية. وهكذا أيضا، لم يكن غريبا أن تتحمل السعودية أعباء التصدي للتدخل الإقليمي والدولي في المشرق العربي، ولمساوئ التسلل «الجهادي» إلى سوريا ولبنان. وكان دعمها للجيش اللبناني (بثلاثة مليارات دولار)، بمثابة دعم للنظام الديمقراطي اللبناني، وتأكيدها لرفض الفوضى «الجهادية» في سوريا ولبنان. الأدب الدبلوماسي والسياسي السعودي يخجل من ممارسة الدعاية الإعلامية، تجنبا للمهاترات العلنية مع دول، كإيران، تبالغ في دعايتها الإعلامية. فمثلا، لم تقطع السعودية علاقة الوصل والاتصال مع الجارة إيران، على الرغم من التباين الشديد في السياسة الخارجية والعربية لكل منهما. اللقاء السعودي/ المصري الصريح والواضح ينقذ الشارع السني العربي، من هذا الضياع السياسي المخزي الذي يدفع حفنة من اللاجئين السوريين، إلى الغدر بأدب الضيافة المصرية، والرقص مع «الإخوان»، من دون فهم وإدراك لوقوف القيادة الإخوانية أمام العدالة، متهمةً بالسعي للتحالف مع إيران. وتركيا. وحزب الله. وحماس، ضد مصر والأمة العربية. وإذا كان من عذر لهذا الضياع السوري المخجل، فهو كونه ضحية لثقافة التجهيل بعروبة سوريا التي مارسها نظام طائفي، على مدى خمسين سنة، ونشر خلالها ثقافة المقاومة الكاذبة والممانعة الزائفة.
------------------
الشرق الاوسط