وتنشط الإشاعات في حالات النشاط السياسي والميداني بشكل أكبر، خاصة بالحديث عن تلويح تركي بعملية عسكرية برية في سوريا، فتبدأ المعارك على غرف “تلجرام” قبل الواقع، وتتطور الملفات السياسية في الغرف ذاتها، التي لا تحمل أي علامة موثوقية، دون أي تغيّر في واقع الملفات ذاتها على أرض الواقع.
 
وبالحديث عن مسار التقارب بين أنقرة ودمشق، تنتشر بشكل شبه يومي إشاعات تقدم تطورات “دون سند” على مستوى الملف، قادرة على إثارة الرأي العام، وإخافة الشارع ربما أحيانًا.
إحدى هذه الغرف مثلًا نشرت مؤخرًا ما قالت إنه مسار التفاوض بين تركيا والولايات المتحدة في الملف السوري ضمن عدة نقاط، كما أعادت نشر نقاط مختلفة قالت إنها ستكون محور المباحثات بين وزيري الخارجية الأمريكي والتركي، خلال زيارة الأخير المرتقبة إلى واشنطن، في 18 من كانون الثاني الحالي.
كما توجد معلومات وتحليلات كثيرة تستند إلى ما تقول إنها معلومات من مصادر مطلعة على سير المفاوضات، تتراوح من الانسحاب التركي الكامل من سوريا، إلى النقيض تمامًا بدخول تركيا مناطق جديدة في سوريا مقابل التقارب السياسي.
وتستفيد هذه الغرف نسبيًا مما يجري تناقله على نطاق واسع من تصريحات ربما ينفيها لاحقًا الأشخاص الذين تناولتهم بالاسم، والأطراف المعنية.

ما الإشاعة؟

بحسب تعريفها في قاموس “المعاني الجامع”، فالشائعة كالإشاعة، خبر مكذوب غير موثوق فيه وغير مؤكد ينتشر بين الناس، ومن الناحية الاصطلاحية هي انتشار كلام لا أصل له.
ووفق بحث نشرته في 2015، جامعة “كولومبيا” الأمريكية (أُسست في القرن الـ18)، تحت عنوان “أكاذيب وأكاذيب ومحتوى فيروسي “، توصّل البحث إلى مجموعة نتائج، أبرزها أن المعلومات المضللة تأتي من مواقع إخبارية مزيفة تختلف عن المواقع الساخرة، باعتبارها لا تقدم عروضًا ساخرة.
البحث لفت أيضًا إلى الممارسات السيئة من قبل المواقع الإخبارية، التي ينشر كثير منها الإشاعات المتداولة في وسائل الإعلام عبر الإنترنت، دون التحقق منها، كونها تأتي أحيانًا من وسائل إعلام أخرى، فتعيد هذه المواقع نشرها دون إضافة أو قيمة.
ويشكّك البحث أيضًا بمصداقية العناوين المنشورة، مشيرًا إلى العناوين التي يجري تقديمها على شكل أسئلة قد تؤدي إلى تضليل الجماهير.
“حتى لو تم تقديم شيء ما إلينا كسؤال، فإننا نميل إلى التفكير فيه على أنه صحيح، لأننا محبطون بسبب عدم اليقين. من المرجح أن ننشر إشاعات إذا اعتقدنا أنها صحيحة وإذا كانت ذات صلة شخصية بنا”.
ويميّز البحث بين أربعة أنواع من ناشري الإشاعات، أولهم أصحاب المصلحة الضيقة بغرض الترويج لمصالحهم الخاصة، وهناك مهتمون بجذب الرأي العام، كالصحافة، إلى جانب مناصري قضية ينشدون خدمتها، ونوع آخر يسعى لإلحاق الضرر.
وحول الأسباب التي تساعد في تفشي الإشاعة، يوضح البحث: “نحن نفضّل المعلومات التي تتوافق مع ما نعتقده أو نعرفه، لذلك عندما نتلقاه يتراجع مستوى الشك لدينا”.

التعتيم يولّد الإشاعة

جاء في الصحفة 140 من كتاب “الوجيز في التربية الإعلامية“، أن الإشاعات تنتشر أكثر في وقت الأزمات والظروف الضاغطة أو المثيرة للقلق، وفي فترات التحول السياسي أو الاجتماعي.
ومما يسهّل ذلك، وجود تعتيم إعلامي أو غموض في المواقف أو كذب معتاد على ألسنة المسؤولين الحكوميين، أو تضليل متعمد ومعتاد عبر وسائل الإعلام المختلفة.
وفي كتابه “السياسة الجزائية لمواجهة الشائعات“، يميّز المستشار الفلسطيني أحمد محمد براك، بين نوعي إشاعات، اعتبر الأول عاديًا، يتجلى في التعليق على واقعة حدثت فعلًا تعليقًا لا يتفق مع حقيقتها، بخصوص الدافع إليها، ومن كان طرفًا فيها.
والنوع الآخر إشاعة مغرضة، وهي تعليق على واقعة بأمر له ظل من الحقيقة، لكنه مبالغ به.
عنب بلدي ناقشت في تقرير سابق التأثيرات السلبية لغرف “تلجرام”، وهي بوابة عريضة لتداول وتفشي الشائعات.
وأوضح حينها الصحفي السوري المتخصص بتدقيق المعلومات، ومدير منصة “تأكد”، أحمد بريمو، أن غرف “تلجرام” تحظى بمتابعة كبيرة.
كما لفت إلى قدرتها على خلق تعبئة شعبية واجتماعية، وعلى تحريك وتأليب الرأي العام حول أي قضية من قضايا ومواضيع تهم المجتمع التابعة له، خاصة تلك الغرف التي حظيت بشعبية ومتابعة ومصداقية لدى المتابعين.