ينحني زعيم الشبيحة لطواحين الخارج، يركع أمامها مستجدياً، لكنه يستأسد في مواجهة طواحين الثورة، يستقوي على شعبه، يفتح أبواب قلعة صموده لجحافل الغزاة الطائفيين، يستحضر قتلة الحزب الإلهي وسواطير أبي الفضل العباس وأحقاد أبناء فارس.
يملك غلام (قاسم سليماني) وحشية القتل والتدمير لتأجيل سقوطه، لكنه يفتقر لذكاء البقاء، لم يترك حماقة إلا وارتكبها، استفز الناس بخطابه الإعلامي بدايات الثورة عن المندسين والمتآمرين، تحولت الإحتجاجات المحدودة بفضله إلى ثورة عارمة، رمى بالسلاح للسلميين على أمل محاصرتهم وتبرير سحقهم، ترفع هؤلاء عن التقاطه، لم يتراجع هو عن إبادتهم.
انتشر الجيش في مواجهة المحتجين، استبدل قائده شعار الشهادة أو النصر بالتشبيح حتى النصر، ونشيد حماة الديار بالأسد أو نحرق البلد، وعبارة أبت أن تُذل النفوس الكرام بشبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد، اطمئن القائد لأدائه، علق أنصاره داخل اللوحات الإعلانية المنتشرة في مختلف شوارع دمشق منذ الشهر الرابع 2011 بشائر (خلصت)، مشفوعة بظهور مكثف لسفلته من المحلليين والسياسيين والإعلاميين والفنانيين، يؤكدون الخلاص يوماً بعد يوم، وشهراَ بعد شهر، ثلاث سنوات إلا شقفة، تربع سيادته على أطلال سوريا، نصب عرشه على دماء أطفالها وشبابها ونسائها، فقد سيطرته على 60% من الأرض، انقلبت المعادلة إلى (خلاص البلد بالخلاص من الأسد).
السلاح يستجر السلاح، لم يكن استخدامه الغباء الوحيد للأسد، أخطر ما فعله هو جر الطائفة العلوية بأغلبيتها إلى مواجهة مع الثائرين، افتتحتها اتصالات مفبركة تحريضية غامضة تُحذر سكان السومرية العلويين والمعضمية السنة من بعضهم البعض أواخر الشهر الثالث 2011، مواجهة مفتعلة، عبرت عن نفسها بتسجيلات مُصورة مسربة، أولها في البيضا ببانياس أوائل الشهر الرابع 2011، لهجتها تدل على هويتها، مدعمة بظهور علني للشبيحة في شوارع المدن مدججين بأسلحتهم، متزينين بخلعاتهم الخضراء، متباهين بعضلاتهم.
الوحشية المُبالغ فيها للعسكر والشبيحة والأمن، فشلت في إخضاع الثائرين، تهشم تماسك جيش الأسد ما عدا وحدات النخبة الطائفية، تكبد الهزيمة تلو الهزيمة، استجار الأسد بمقاتلي حزب الله و الميلشيا العراقية، وخبرات الحرس الثوري القمعية والدعائية، انسحبت قواته من الحدود لحماية القصور، تدفق المتشددون عبرها، اختلط الصادق بالمُخترق منهم، انتقلت المواجهة من مربع الأزمة الداخلية إلى خانة المواجهة الإقليمية، أُخرج سلاح الطائفية الفتاك من مخازن التاريخ، انفلتت الفوضى التي عول عليها الأسد لتأديب كل السوريين موالين ومعارضين خارج السيطرة.
لو كان السوريون يوماً طائفيون، لما سكن أو استجار ببلادهم كل هذا التنوع من الطوائف والمذاهب والأثنيات، استهداف الثوار على خلفية مذهبية، شد عصبهم الديني دفاعاً عن الكرامة والوجود.
نام الأسد وريثاً إجبارياً لرئاسة دولة، استفاق زعيماً صورياً لميليشيا طائفية تديرها إيران، لكي ينتصر الأسد وحلفاؤه في حرب كهذه عليه أن يبيد 80% من السكان، سنة ومتعاطفون وعشاق حرية من بينهم علويون، لا يكفي تدمير المدن، حروب الثأر لا تنتهي إلا إذا قُتل القاتل، أجيال تطلب ثأراً لدمٍ أو كرامة، حرب العصابات التي تعيشها شوارع سوريا اليوم، لا يحسم نتيجتها انتصار هنا، أو استعادة منطقة هناك، جنيف2 فرصة، بشار لا يملك ضميراً يفهمها، ولا خيالاً للتصالح مع الذات كما خيال دون كيشوت.
يخسر الأسد، التاريخ لا يعود للوراء بشهادة نيرون روما، فرانكو مدريد، ميلوسفيتش بلغراد، قذافي طرابلس.
الثورات تأكل جميع الطغاة، كل الشبيحة، الكثير من المنحبكجية، تلتهم معظم متسلقيها، بعضاَ من أبنائها، لكنها أبداً لا تأكل نفسها.
--------------------------
أورينت نت