رد علي النائب السابق الذي ينتمي الى اسرة سياسية تتم محاربتها، منذ سبعين سنة، بسبب خياراتها اللبنانية :لا تقل ذلك أبدا، فنحن ليس لدينا سوى الدستور مرجعية!
وروى لي ان والده توجه الى الرئيس رينيه معوض، راجيا اياه عدم الذهاب الى بيروت، على خلفية ما كان يتردد عن وجود مخطط لاغتياله، فرد عليه معوض:" انا انتخبت رئيسا لجمهورية غير موجودة، واذا امتنعت عن التوجه الى بيروت، حيث مركز الحكم، فسوف أخسر مظهر الجمهورية."
وتابع جواد بولس كلامه لي: ونحن، ان قلنا بدستور معلق، فهذا يعني اننا سنخسر، حتى، مظهر هذا الدستور الذي ليس لدينا غيره."
كلام هذا المحامي المنطقي، سرعان ما تهاوى، بمجرد ان قرأت، لمرات عدة، الخطاب العاشورائي لحسن نصرالله.
كلام نصرالله جعلني أدرك ان اللبنانيين ان لم يواجهوا حقائقهم، بفظاطة، من دون وهم المحافظة على المظهر المؤسساتي والدستوري، فهم سائرون، افراديا، على طريق رينيه معوض، او انهم ، على ما كتب يحيى جابر على مواقع التواصل الاجتماعي، يشاركون جميعهم في ماراتون، نحو صخرة الروشة!
خطاب نصرالله العاشورائي، عن مرجعية اتخاذ القرار في "حزب الله"، وعلى الرغم من معرفتنا لذلك مسبقا، هو خطاب مرعب حقا، لأنه خطاب ينضح بوقاحة غير معهودة، يجعلنا نفهم أكثر المنطلقات الذهنية، التي تسمح لمحمد رعد بأن يهدد بقطع الأيادي، والذي تتيح لعلي عمار باعلان تقبيله لقدم مصطفى بدر الدين، والتي تدفع بنواف الموسوي نحو اعلان قداسة المتهمين باغتيال رفيق الحريري.
حسن نصرالله، بخطابه العاشورائي، أسقط كل المنطلقات الوطنية، عن "حزب الله"، فمن يجاهر بأن " الولي الفقيه" هو مرجعيته الوحيدة، تستحيل مخاطبته، من منطلق انتخابي، ومن منطلق دستوري، لا بل يستحيل النقاش معه، من منطلق لبناني، او من منطلق المصلحة الوطنية العليا.
ومرجعية نصرالله المعلنة، في خطابه العاشورائي، هو مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران، وتاليا، فكل قرار يتخذه نصرالله، يكون منطلقه رؤية حاكم ايران الأعلى، التي قد تتقاطع أحيانا مع مصلحة لبنان، ولكنها قد تتناقض معها في غالبية الأحيان.
قبل سنوات، عندما جرى توزيع شريط يصور نصرالله، وهو يلقي خطابا في الثمانينات يعلن فيه ان الحزب يتطلع الى اقامة حكم اسلامي في لبنان، على قاعدة انه جزء لا يتجزأ من الدولة الاسلامية الكبرى التي يحكمها الولي الفقيه، خرج من يبلغنا ان هذا الكلام عفى عليه الزمن، وكانت له ظروفه ومعطياته منطلقاته، ولكن الحزب تغير وأصبح لبنانيا.
حسن نصرالله، في خطابه العاشورائي، كذّب هذه التبريرات كليا، وأعلن جهارا، ان المشروع الأساسي مستقر ومستمر!
مع هذه العقلية المذهبية التبعية، كيف ترجى شراكة، هدفها مصلحة لبنان؟
مع هذه العقلية المذهبية التبعية، كيف ترجى اقامة دولة لجميع بنيها؟
مع هذه العقلية المذهبية التبعية، كيف يرجى تشكيل حكومة انصهار وطني؟
مع هذه العقلية المذهبية التبعية، كيف يرجى احترام نصوص وضعية، ومن بين أشهرها في هذه الأيام، ما يسمى بإعلان بعبدا؟
في خطابه العاشورائي، نسف نصرالله كل الجسور مع اللبنانيين الآخرين، وأبلغنا ان قراره مرتبط بما يصدر عن وليه الفقيه، الذي يحكم بلدا عاصمته ملوثة، واقتصاده منهار، وشعبه جائع، وشبابه مقموع، وشرعيته مرتهنة لميليشيا الحرس الثوري الايراني.
في خطابه العاشورائي، أفهنا نصرالله لماذا ينهار لبنان، ولماذا يقتل شبابه في سوريا، دفاعا عن حليف برتبة مجرم حرب، ولماذا تندثر المدينة في موطن صناعة المدن، ولماذا يزدهر السلاح، ولماذا تنفجر العبوات الناسف، ولماذا يتم اغتيال الرجال-الرجال، ولماذا تجف السياحة، ولماذا تشترى ذمم شخصيات هنا وتيارات هناك، ولماذا يضمحل الإعتدال.
بعد خطاب نصرالله العاشورائي، أدركنا ان دعوته للفريق الآخر الى مشاركته في السلطة، وفق شروطه، ليس اعترافا بهذا الفريق، بل مجرد استغلال له، لتمكينه من تحويل لبنان الى جزء من الدولة الاسلامية الكبرى التي يحكمها "صاحب الزمان ونائبه بالحق، الولي الفقيه".
وبعد خطاب نصرالله، لم يعد بيننا من هو قادر على التعاطي مع نصرالله من موقع صاحب القرار او صاحب العقل، فهو غير مسؤول عمن يقتلون وعمن يفقرون وعمن يطردون. هو مجرد أداة تنفيذية لعقل غيره ولعلم غيره ولمصلحة غيره.هو ناطق باسم وليه الفقيه. هو مكبر صوت!
في العلم الجنائي، ينطبق على نصرالله وصف الرجل الفاقد الأهلية. في علم النفس يقال عنه ما هو أسوأمن ذلك بكثير. وفي علم الإجتماع تصبح اللفظة مستوردة من أزمنة ظننا أنها طويت الى غير رجعة!
ما من وطن، يمكنه ان يحلم بمستقبل بوجود من هم مثل نصرالله. ما من دولة يمكن ان تتطلع الى بنيان نفسها بوجود حزب مثل حزب الله!
ولمن يعتقد العكس. نبارك له بنصرالله وننعي اليه لبنان!