نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


الحجاب يعود بقوة إلى تونس " زين العابدين " رغم حظر قانوني مفروض منذ عهد الحبيب بورقيبة




تونس - منير السويسي - انتشر الحجاب بشكل لافت في صفوف التّونسيات رغم الحظر القانوني المفروض منذ نحو ثلاثة عقود على هذا اللّباس، ورغم حملات أمنية متفرّقة أطلقتها السلطات منذ حوالي عشر سنوات لاجتثاث هذا الزيّ الذي تصفه الحكومة بـ"الدّخيل" و"الطّائفي".


انتشار الحجاب بشكل لافت في صفوف التّونسيات
انتشار الحجاب بشكل لافت في صفوف التّونسيات
ويعتبر مهتمون بالشّأن التونسي، أنّ الحجاب الذي تحوّل هذه الأيّام إلى علامة بارزة في شوارع تونس- بعد أن كاد يختفي منها خلال التسعينيات- أصبح بامتياز ظاهرة لباسيّة نسائية جديدة في البلاد.

وقال الباحث الاجتماعي نادر حسن لوكالة الأنباء الألمانية( د.ب.أ) إنّ الحجاب اختفى أو كاد خلال تسعينيات القرن الماضي، عندما أطلقت السلطات عام 1991 حملة أمنية "ضارية" وواسعة النطاق ضدّ "حركة النهضة" (تنظيم إسلامي محظور) الّتي اتّهمتها السّلطات آنذاك بمحاولة اغتيال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وقلب نظام الحكم بالقوّة

وأفاد الباحث أنّ هذه الحملة "أدت إلى استئصال كل ما يرمز إلى الإسلاميين وخاصة الحجاب للنساء واللّحية للرجال" موضحا أن الحجاب"أصبح إثر هذه الحملة من بين التابوهات".

وأضاف:"تعتبر العودة القوية للحجاب في تونس اليوم، رغم الحظر القانوني والحملات الاستئصالية، أمرا لافتا بل إنها ظاهرة لباسية نسائية جديدة وبامتياز، فبعد أن كان ارتداؤه في التسعينيات حكرا على نساء الإسلاميين المنبوذين والملاحقين من قبل السلطة تحوّل هذه الأيام إلى قاسم شبه مشترك بين التونسيات وأغلبهنّ غير منتميات سياسيا".

ولاحظ أنه بعد أن تحجّبت العاملات في الحقول والمصانع والموظفات بالقطاع الخاص، زحف الحجاب على مصالح القطاع العام (المدارس والجامعات ومختلف الإدارات والمصالح العمومية...) رغم أن قوانين تحظر بشكل خاص ارتداءه في المؤسسات التابعة للدولة، إذ لبسته الطالبات بالمدارس الثانوية والجامعات والمدرّسات بمختلف مراحل التعليم...وحتى بعض من يتقلّدن وظائف حساسة في الدولة مثل القاضيات.

ومن المفارقات أن الحجاب سجل حضوره حتى في الاجتماعات الشعبية لحزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم الذي قاد عام 2006 حملة إعلامية وسياسية واسعة النطاق ضدّ "الزيّ الطائفي" (الحجاب).
كما شرعت بعض شواطئ تونس في التحجب إذ نزلت سيدات وفتيات محجبات للسباحة بكامل ملابسهن جنبا إلى جنب مع تونسيات وسائحات أجنبيات يسبحن في البيكيني.

وفي ظل الإقبال المتزايد للتونسيات على الحجاب انتشرت تجارته في الأسواق الشعبية، بل إن محلات تجارية راقية وسط العاصمة تونس تجازف بعرضه في واجهاتها الأمامية رغم أوامر المنع الصادرة من الجهات الأمنية.
وقد ركب مصمّمو الملابس موجة التحجب التي اجتاحت التونسيات وصمّموا لهن ملابس تستجيب لذوق المرأة المتحجبة كما أنتجوا ملابس زفاف خاصة بالعروس المحجّبة . ولم يعد اليوم مشهد العروس المحجبة من المشاهد الغريبة في حفلات الزفاف بتونس.

الجذور التاريخية لحظر الحجاب في تونس
يعود تاريخ منع الحجاب في تونس إلى عام 1981 عندما أصدر الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة المنشور عدد 108 هو مرسوم قانوني يحظر على الطالبات والمدرّسات وموظفات القطاع العام ارتداء "الزيّ الطائفي")الحجاب( داخل المؤسسات التابعة للدولة) المدارس والجامعات والمستشفيات والإدارات العمومية).
وقوبل إصدار المنشور آنذاك بتنديد واستنكار كبيرين في العالم الإسلامي إذ اتهم متشددون بورقيبة بمحاربة الإسلام وذهب بعضهم إلى حد تكفيره وطالبوه بإعلان توبته.

ويقول مهتمون بالشأن التونسي إنّ بورقيبة أصدر هذا المنشور (عام 1981 ) لمحاربة المدّ الشيعي الذي وصلت بوادره إلى تونس بعد قيام "الثورة الإسلامية" في إيران (عام 1979) بقيادة "آية الله الخميني" الذي عمل على تصديرها )الثورة( إلى الدول العربية.

وقد ساندت "حركة الاتجاه الإسلامي" (غيرت اسمها لاحقا إلى "حركة النهضة") وهي تنظيم إسلامي تونسي سنّي محظور، الثورة الإسلامية الإيرانية وقامت بالدعاية لها في تونس مقابل حصول الحركة على دعم إيران.
وعبّر أنصار الحركة، من خلال ارتداء النساء للحجاب الإيراني الأسود وإطلاق الرجال للحيّ الطويلة على الطريقة الأفغانية (وهما مظهران تقول السلطات إنهما دخيلان على المجتمع التونسي) ، عن تأثّرهم بالتشيّع الذي اعتبره بورقيبة مشروعا أصوليا خطيرا يتعارض مع مشروعه التحديثي الغربي.

وقد قطع بورقيبة علاقات بلاده الدبلوماسية مع إيران في الثمانينيات بعد ثبوت تلقي الحركة الإسلامية التونسية، دعما من طهران خلال محاولتها الانقلاب على بورقيبة وإقامة دولة إسلامية في تونس. أعاد الرئيس زين العابدين بن علي، خلف بورقيبة،علاقات تونس الدبلوماسية مع إيران عام 1990.
ويرى مهتمون بالشأن التونسي أنّ استصدار المنشور عدد 108 سهّل على بورقيبة محاصرة إسلاميي حركة النهضة الذين كانت نساؤهم يرتدين الحجاب الأسود.

وقد جدّد بورقيبة المنشور 108 بالمنشور عدد 102 الصادر عام 1986 كما جدده خلفه زين العابدين بن علي بالمنشور عدد 35 الصادر في 2001.

عودة الحجاب تقلق السلطات والعلمانيين
عبرت السلطات التونسية وعلمانيون في أكثر من مناسبة عن القلق من الانتشار اللافت للحجاب في صفوف التونسيات. وأعلن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في أكثر من مناسبه رفضه للحجاب الذي وصفه بـ"الزي الطائفي الدخيل" واعتبر أنّه لا يمتّ بصلة إلى "اللباس التونسي الأصيل عنوان الهوية الوطنية".

وبدأ استخدام مصطلح "اللباس الطائفي" في تونس بداية ثمانينيات القرن الماضي(في عهد الرئيس التونسي الراحل حبيب بورقيبة) للإشارة إلى الحجاب الذي تقول السلطات إنه "دخيل" و"مستورد" من المشرق إلى تونس.
وقال الرئيس بن علي في تصريحات شهيرة:"لا احتراز أو رفض لدينا إلا لّلباس الوارد علينا من الخارج (الحجاب) والذي يرمز به إلى انتماء سياسي معين" مؤكدا أن الحكومة ليست ضد اللباس المحتشم شرط أن يكون "اللباس (التقليدي التونسي) المحتشم المعهود في مدننا وأريافنا".

كما وصف أبو بكر الأخزوري وزير الشؤون الدينية (الأوقاف) الحجاب بأنه "زي طائفي ودخيل" وقال إن ثقافة التنوير التي تنشرها الحكومة كفيلة باجتثاثه.

وقال الهادي مهني الأمين العام السابق لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم إن "الحجاب لا يمت للإسلام بصلة، ولا علاقة له بهوية البلاد وأصالتها...إذا قبلنا اليوم الحجاب، فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت، وأن تمنع من الدراسة، وأن تكون فقط أداة للتناسل والقيام بالأعمال المنزلية".

ويتساءل صالح الزغيدي وهو أحد أعضاء "جمعية الدفاع عن العلمانية في تونس" التي أسسها علمانيون تونسيون (عام 2007 ) ولم تعترف بها السلطات بعد "هل نحن سائرون في بلادنا نحو تديين شوارع مدننا وقرانا، ونحن ذلك البلد الذي لم يعرف الحجاب من قبل... فلا والدتي ولا عمّتي ولا خالتي، وكلّهنّ متوفيات، وكلهنّ أّمّيات ومن قرية صغيرة، عرفن الحجاب".

وقال الزغيدي إن "ظاهرة الحجاب في تونس لا ينبغي تناولها بصفة معزولة وكأنها ذات طابع لباسي بحت أو حتى اجتماعي بحت" معتبرا أن "الحجاب ظاهرة دينية بامتياز حولت شوارع تونس إلى فضاءات يسجل الدين حضوره فيها بقوّة ،وهو أمر لم نكن نعرفه قبل 10 أو 15 عام في تونس".

وترى الباحثة التونسية اللائكية "رجاء بن سلامة" أستاذة اللغة والآداب والحضارة العربية بجامعة تونس ورئيسة تحرير مجلة "الأوان" الالكترونية أن انتشار الحجاب "قد يهدّد الحقّ في عدم التّحجّب" وتخشى أن يتحوّل هذا اللباس مع مرور الوقت إلى "فريضة لا تفرضها الدّولة كما في بعض البلدان بل يفرضها المجتمع".
وتعتبر الباحثة أن الحجاب "تصحبه ثقافة تكرّس أنماطا علائقيّة منافية لحقوق المرأة، منها الدّعوة إلى تعدّد الزّوجات وطاعة المرأة زوجها، وغير ذلك من الأمور المنافية للمساواة والكرامة البشريّة".

المنع في المدارس والجامعات بشكل أساسي
فرضت المؤسسات الجامعية التونسية مع بداية العام الدراسي الحالي، الذي انطلق في أيلول/سبتمبر 2009 على الطالبات توقيع وثيقة "التزام" صادر عن وزارة التعليم العالي نصّ على "تحجير اللباس الطائفي" (الحجاب) في الجامعات. وأعطت الوثيقة لإدارات الجامعات صلاحيات سحب تسجيل الطالبة في صورة "مخالفة" هذا الالتزام.

وأثار "الالتزام" كثيرا من الانتقادات إذ اعتبرته "لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس" أهم إجراء "زجري" منذ عام 2006 التي أطلقت فيها الحكومة حملة واسعة لاجتثاث الحجاب وصفها مراقبون بأنها غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
ويقول طلاب إسلاميون بالجامعة التونسية إنهم أسسوا عام 2006، "لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس" بهدف "الدفاع عن حق المرأة في ارتداء الحجاب ومحاولة حمايتها من الانتهاكات الأمنية والحكومية".

وتنشط اللجنة من خلال إصدار بيانات عبر شبكة الانترنت (فيس بوك، مدونات، مواقع الكترونية معارضة...) ترصد فيها "الانتهاكات" التي تطال المحجبات.
وتقول اللجنة إن "الحملات" على الطالبات المحجبات في المدارس الثانوية والجامعات "تشتد خاصة مع بداية التسجيل وانطلاق الموسم الدراسي وخلال فترات الامتحانات" وأنها تتراوح بين الإجبار على خلع الحجاب أو المنع من دخول المؤسسات التعليمية، والحرمان من حق السكن في المبيتات الجامعية التابعة للدولة، والحرمان من اجتياز الامتحانات وفي حالات نادرة رفض تسليم الطالبات شهادات النجاح لرفضهن نزع الحجاب.

وقالت المحامية والناشطة الحقوقية إيمان الطريقي /30 عاما/ التي تدافع عن حق التونسيات في ارتداء الحجاب إن العشرات من الفتيات أو عائلاتهن فضلن الانقطاع عن الدراسة نهائيا على خلع الحجاب الذي يعتبرنه ''فرضا دينيا".

سبب انتشار الحجاب في تونس
يرجع المهتمون بالشأن التونسي أسباب الانتشار الواسع للحجاب في تونس إلى التأثير المتعاظم للميديا الدينية وخاصة الخليجية (فضائيات،إنترنيت...) على المجتمع التونسي.
وتؤكد الباحثة التونسية "رجاء بن سلامة" أن الإعلام الديني الخليجي (دعاة الفضائيات والمواقع الالكترونية) لعب دورا حاسما في نشر الحجاب بين التونسيات رغم الحظر القانوني والحملات الأمنية والإعلامية المناهضة لارتدائه في البلاد.

وتقول الباحثة إن التونسيات عجزن عن "مقاومة الإغراء بالتحجب" أمام "نجاح الخطاب الحاث على الحجاب" في هذه الفضائيات والمواقع الالكترونية التي تستعمل "أساليب الوعظ والهداية والأناشيد الدّينيّة التي تمجّد الحجاب وتعتبره الحلّ الوحيد لإنزال السّكينة على النّفس في الدّنيا وللنّجاة في الآخرة".
وتضيف:"يجب أن نعترف بأنّ خطاباتنا المناهضة للحجاب أقلّ تأثيرا من الخطابات المدافعة عنه والحاثّة عليه، لأسباب كثيرة أوّلها طبعا اختلاف طبيعة الحجج، فحججنا ليست حجج سلطة، بما أنّها لا تحيل إلى كلام إلهيّ أو نبويّ، وهي غير نابعة ممّن يمثّلون سلطة دينيّة، بما أنّنا لسنا شيوخا ولا مفتين ولا دعاة".

وتتابع:"وثاني هذه الأسباب طبيعة وسائل الإعلام المعتمدة، فنحن نكتب مقالات وأبحاثا ننشرها في صحف ومواقع قليلة الانتشار، ودعاة الحجاب لهم الفضائيّات بأنواعها، ولهم أيضا الصحف والمواقع الأكثر انتشارا، وتوجد عشرات المواقع المتخصّصة في نشر الحجاب بل والنّقاب".

محامية تدعو إلى الطعن قضائيا في القوانين التي تمنع ارتداء الحجاب
دعت المحامية والناشطة الحقوقية إيمان الطريقي / 30 عاما/ التي تدافع عن حق التونسيات في ارتداء الحجاب المحجبات اللاتي يتعرضن إلى "تضييقات" في أماكن الدراسة أو العمل إلى التظلم لدى القضاء معتبرة أن "المنشور 108 " والمناشير الأخرى المماثلة التي يتم الاستناد عليها "للتضييق" على المحجبات تم الطعن فيها قضائيا لتعارضها مع دستور البلاد الذي يضمن "حرمة الفرد و حرية المعتقد".

وتعتبر المدرّسة "سعيدة العدالي" التي أصدرت وزارة التربية التونسية قرارا بفصلها مؤقتا من عملها لمدة ثلاثة أشهر وحرمانها من مرتبها عقابا لها على إصرارها على ارتداء لباس"يوحي بالتطرف" (الحجاب) ، تعتبر المرأة المحجبة الوحيدة في تونس التي تظلّمت لدى محكمة تونسية في "قضية حجاب".

وقد أسقطت المحكمة الإدارية التونسية بحكم ابتدائي أصدرته في كانون أول/ ديسمبر 2006 قرار وزارة التربية واعتبرت أن "هذا المنشور (108) يتيح للإدارة سلطة تقديرية غير محدودة في تطبيقه، مما ينتج عنه تهديدا للحريات الأساسية ومنها حرية المعتقد المضمونة دستوريا واستعماله مطية للتضييق في الحقوق والحريات الفردية".

منير السويسي
الاربعاء 10 مارس 2010